القلب .. يقال أن قلب الشئ هو لبه وإنما سمي القلب قلبًا لكثرة تقلبه وفيه صلاح المرء أو فساده، لكنه ليس هذا فحسب فالقلب هو جهاز يدعو للإنبهار والتأمل في طريقة عمله فهو أكثر الأعضاء حيوية بالجسم.. واحد من أعضاء الجسم التي لا يمكنها التوقف عن العمل طوال حياة الفرد ، لأنه يمنح الحياة لباقي الأعضاء بما فيها المخ والرئتين و الكُلي فيضخ الدم إليهم محملًا بالأوكسجين الضروري لحياة أي نسيج حي، وفي حال توقفه عن العمل يموت الفرد خلال دقائق إذا لم يتم إسعافه كما يعتبره الأطباء من أكثر الأعضاء تعقيدًا وتطورًا في عمله وتكوينه، فما نحن مهتمون به الآن هو ما يجب أن نعرفه عن جهاز يعتبر الأهم في أجسامنا جميعا لنحافظ علي صحته وبالتالي علي صحة أجسامنا ..
تكوين القلب وكيفية عمله :
يتكون القلب من أربعة غرف منفصلة ذات جدران عضلية غرفتين علويتين ” أذينين” Atria ومهمتهما استقبال الدم من الأوردة وضخه إلي الغرفتين السفليتين ” البطينين ” ventricles ومهمتهما استقبال الدم من الأذينين وضخه إلي كل شرايين الجسم لذا يتمتع البطينين بجدران أقوى وأسمك وتنظم مجموعة صمامات القلب سريان الدم في الإتجاه الصحيح ..
ويتكون الجدار من مجموعة من العضلات المتشابكة التي تعمل بقوة لضخ الدم إلي كل شرايين الجسم وأبعدها فتضخ حوالي 5 لتر دم بالدقيقة الواحدة وتستغرق الدورة القلبية الواحدة 0.8 ثانية تقريبًا فيدق القلب السليم في حالة الراحة بمعدل 75 مرة في الدقيقة الواحدة ويختلف ذلك طبيعيا ما بين الأشخاص فيتراوح من 60 إلي 100 مرة في الدقيقة وكلما قل ذلك المعدل دل علي صحة أفضل للقلب ..
إذا أردت أن تحسب عدد دقات قلبك في الدقيقة فقط ضع إصبعيك السبابة والوسطي بجانب قصبتك الهوائية trachea – على جانب منتصف الرقبة – وقم بعدها لمدة دقيقة..
صمامات القلب :
تنَظم حركة الدم بالقلب بواسطة أربعة صمامات .. صمام بين الأذين الأيمن والبطين الأيمن ” الصمام الميترالي” وآخر بين الأذين الأيسر والبطين الأيسر ” الصمام الثلاثي ” ومهمة كل منهما أن يسمح بمرور الدم من الاذين الي البطين فقط ويمنع عودة الدم إلي الاذينين عند انقباض البطينين فيسري في اتجاه الشريانين الأورطي والشريان الرئوي ..
أما عن الصمامين الآخريين فيقعان أحدهما عند بداية شريان الاورطي والاخر عند بداية الشريان الرئوي ويمنعان عودة الدم الي البطينين عند انبساط البطينين ..
لذا فكل صمام من الأربعة يفتح ويغلق مرة واحدة في كل دورة قلبية وأحيانا تصاب الصمامات ببعض الأعطال فقد تصبح ضيقة جدا stenosis لا تسمح بمرور كمية كافية من الدم أو تصبح غير محكمة incompetent فيرتجع الدم عكس اتجاهه وفي الحالتين تسبب عبئا إضافيا علي جدران القلب مسببة تمددها dilatation وضعفها وقد تؤدي إلي ضرر بالرئتين أيضا وقد يتطور الأمر إلي تضخم hypertrophy أو فشل بالقلب failure .. وتتسبب أيضا بتغيير كمية الدم التي يضخها القلب للجسم وبقية الاعضاء فقد تصاب الأعضاء بنقص كمية الدم “ischemia ” مؤثرة علي وظيفتها وحيويتها وقد يصل إلي إغماء متكرر syncope في حالات ضيق صمام الأورطي ..
وبالرغم من ذلك فهناك بعض الحالات من ضيق الصمامات أو ارتجاعها لا تؤثر تماما علي القلب او علي غيره من الاجهزة .. فالشيئ الهام هو تحديد كل حالة والعلاج المناسب لها علي إختلاف تاثيرها ..
ومن أهم الأسباب لأمراض الصمامات :
الحمى الروماتيزمية rheumatic fever المتكررة في الطفولة والإلتهاب الباكتيري للغشاء المبطن للقلب ” bacterial endocarditis ”
وتظهر الحمي الروماتيزمية في الطفولة في شكل تورم وألم في أحد المفاصل ثم ينتقل إلى مفصل آخر وهكذا.. مصحوب بارتفاع درجة الحرارة، إجهاد ، الأم بالصدر ، الإحساس بضربات القلب palpitations .. وترتبط الحمي الروماتيزمية بالإلتهاب المتكرر لللوزتين recurrent tonsillitis وعدم علاجه كما يجب..
أما عن أعراض أمراض الصمامات:
الإحساس بضربات القلب palpitations ، ألم في الصدر، إجهاد مستمر، عدم إتزان ” دوخة ” dizziness حمي في حالات الإلتهاب الباكتيرى للغشاء المبطن للقلب ، وقد تصاحب بتورم القدمين أو الكاحلين ، سرعة اكتساب وزن وقد تتطور إلي ضيق في النفس أو ألم حاد بالصدر أو إغماء.. وعندها يجب اللجوء الي المشفي أو الطبيب بسرعة ..
ضغط الدم :
يقوم القلب بضخ الدم عن طريق حركتين أساسيتين .. الإنقباط والإنبساط systolic and diastole .. وأثناء الانقباض يندفع الدم في الشرايين مسببًا ارتفاع الضغط بداخلها وعند الإنبساط يقل ذلك الضغط .. وهذا هو ما يدعي بضغط الدم ..
ومن الطبيعي أن يكون الضغط أعلي ما يكون في شريان الاورطي ثم يقل ذلك الضغط كلما كان الشريان أبعد عن القلب ثم يقل أكثر في الشعيرات الدموية ثم يقل أكثر في الاوردة ..
ويقاس ضغط الدم إما بالجهاز الزئبقي أو بالجهاز الرقمي حيث يوضع الجزء الخاص بإستقبال النبضات أعلي الكوع ويقيس ضغط الدم في الشريان المار أسفله brachial artery والذي يعبر عن ضغط الدم في هذا الجسم عن طريق مقارنته بالنسب الطبيعية لضغط الدم في هذا الشريان وهي 120/80 في أغلب أوقات الفرد
أما إذا كانت نسبتك تتراوح من 120 / 80 إلي 139/89 فهذا يعني زيادة قابلتك للإصابة بإرتفاع ضغط الدم prehypertension مما يوجب عليك الاستمرار بمراقبته
حيث أن ارتفاع ضغط الدم عن 140 / 90 بشكل متواصل لمدة تزيد عن أسبوعين يعد تشخيصيا لإرتفاع ضغط الدم ..
وارتفاع ضغط الدم قد يأتي في صورة صداع أو زغللة أو بدون أي أعراض تماما .. لذا .. فقياس ضغط الدم بصفة دورية ضروريًا جدًا مهما كان عمرك خصوصًا وإن كان منتشر في أسرتك أو عائلتك أو كنت أعلى من المعدل الطبيعي وقد يساعدك قياسه بستمرار علي اكتشاف ارتفاعه مبكرًا قبل التعرض لمشاكل أكبر نتيجة هذا الارتفاع مثل تضخم القلب ..
سرطان القلب :
مع انتشار الأورام الحميدة والخبيثة في الآونة الأخيرة قد يتساءل البعض هل يصاب القلب بالسرطان ؟ والإجابة هي أن كل نسيج في جسم الإنسان معرض لمثل هذه الإصابة – لا قدر الله – لكن تختلف إحتمالية إصابة بعض الأنسجة عن غيرها فالرئة والعظام والمخ والكبد من أكثر الأجهزة تعرضا للإصابة على عكس القلب فإصابة القلب بالسرطان هو احتمال نادر جدًا جدًا.. وإذا أصيب بورم فغالبًا يكون ورما حميدا.. لكن هذا لا يعني أنه أمر بسيط فحتى الورم الحميد قد يعطل ميكانيكية القلب ووظيفته أما عن سرطان القلب – إذا حدث- فيكون غالبًا نتيجة انتشار ورم خبيث من مكان آخر بالجسم وهذا جدا نادر الحدوث كما ذكرنا..
وتعتبر العوامل الوراثية والتدخين من أهم ما قد يزيد احتمالية الإصابة بأمراض القلب .. فالأفضل إذا كان لديك مريض بالقلب بعائلتك أو كنت مدخنا بأن تقوم بفحص دورى للإطمئنان على القلب ..
أهم الأعراض التي قد تُنذرك بمشكلة قلبية :
-الإحتياج التدريجي إلى ارتفاع مستوى الوسادة عند النوم ..
النهجان عند النوم والرأس في مستوى افقي orthopnea ..
ضيق النفس عند القيام بمجهود بسيط dyspnea at rest ..
عدم ارتياح أو الام حادة بالصدر أو بالجزء العلوى من الجسم ..
إغماء متكرر عند القيام بمجهود بسيط ..
إذا شعرت بهذه الأعراض أو ببعضها فلابد أن تلجأ الي الطبيب فورًا لإستبعاد أي مشاكل قلبية أو سرعة معالجتها قبل أن تسوء أو تسبب مضاعفات شديدة ..
وإن كان الأفضل هو القيام بفحص دورى للإطمئنان أو لسرعة التشخيص والعلاج ..
وغالبًا يتم الفحص المبدئي للقلب ب “الإيكو” echocardiogram وهو جهاز سونار مخصص للقلب لرؤية صورة القلب والدفاع الدم به أثناء عمله ويمكن عن طريقه تشخيص أو نفي أي مشكلة قلبية كمشاكل الصمامات وتضخم القلب وعدم انتظام حركة القلب أو الأورام.. ومن مميزاته.. أنه غير موذي على الإطلاق ويمكن تكراره بصفة دورية..
ويوجد أيضًا فحوصات أخرى الإطمئنان على القلب مثل رسم القلب ECG وهو فحص يعطي دلالة عن حجم القلب ووضعه وهناك فحوصات أخرى أكثر تطورًا وتخصصًا بإمكان الطبيب الإطمئنان على صحتك أو سرعة التشخيص من خلالها..
وأخيرا نقول أن الطب قد تقدم كثيرًا وعلم الله الإنسان فيه ما لم يعلم .. فلابد أن نعلم كيف تعمل قلوبنا وأجسادنا .. كي نعلم كيف نحافظ عليها .. وأصبح العلاج متوفرًا لأمراض كثيرة استعصت طويلا علي الأطباء .. وأصبح مريض القلب يستمتع بنوعية أفضل من الحياة بفضل تطور العلاج والتدخل الطبي .. فلا تتردد في سرعة الكشف والاطمئنان أو البحث عن المساعدة .. أو حتي البحث عن المعرفة ..
اخترنا لك أيضًا:
- أفضل الأطعمة للحصول على قلب سليم
- أسباب الأزمات القلبية وكيفية التعامل معها
- الضحك يخفض الضغط ويقوى عضلة القلب
إعداد: د.سارة أباظة
فريق كل يوم معلومة طبية
اقرأ المزيد في قسم الصحة العامة