نتعرض جميعاً من وقت للآخر لحدوث تقلبات مزاجية وتغيرات ولكن عادة لا تستمر لوقت طويل، ولكن ماذا لو كان الشخص في دوامة من المشاعر المتقلبة طوال الوقت؟ قد يكون هذا من العلامات المحتملة لاضطراب الشخصية الحدية، فهل سمعت عنها من قبل؟ إليكم كل ما يجب معرفته بالتفصيل عن هذا الاضطراب وأنواعه وأبرز علاماته وكيف يتم تشخيصه وكيف يؤثر على العلاقات ومعلومات أخرى هامة عنه، فاحرصوا على المتابعة.
ما هو اضطراب الشخصية الحدية؟
اضطراب الشخصية الحدية (بالانجليزي Borderline Personality Disorder – BPD) أو مرض بوردرلاين هو اضطراب نفسي يؤثر بشكل بالغ على قدرة الشخص على التحكم في مشاعره، وخسارة تلك القدرة على التحكم تزيد من اندفاع الشخص وطريقة شعور الشخص حول نفسه، كما تؤثر بشكل سلبي على العلاقات مع الآخرين.
واضطراب الشخصية الحدية هو واحد من مجموعات اضطرابات تُعرف باسم اضطرابات الشخصية المجموعة ب والتي تتضمن السلوكيات الدرامية وغير المنتظمة، واضطرابات الشخصية هي مجموعة من السلوكيات المضطربة المزمنة (طويلة الأمد) غير المرنة والمستمرة والتي تؤدي لحدوث مشاكل اجتماعية ومشاكل نفسية.
والعديد من الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب قد لا يدركون أنهم يعانون من هذا الاضطراب ولا يعرفون أن هناك طريقة أفضل للتصرف تجاه الآخرين، ومعظم حالات هذا الاضطراب تبدأ في سنوات المراهقة أثناء تطور ونضج الشخصية، لذا أغلب الذين تم تشخيصهم بهذا الاضطراب فوق عمر الثامنة عشر.
أنواع الشخصية الحدية
توجد 4 أنواع معروفة لاضطراب الشخصية الحدية، ومن الممكن وجود أكثر من نوع لدى نفس الشخص في أوقات مختلفة، كما يمكن أن لا يناسب الشخص، في بعض الحالات، أي نوع من تلك الأنواع. وتتضمن أنواع الشخصة الحدية المحتملة ما يلي:
1- الشخصية الحدية المندفعة Impulsive BPD:
السلوك الاندفاعي هو من الأعراض الأولية لهذا الاضطراب، فالشخص المصاب بهذا الاضطراب يمكن أن يتصرف بطريقة مندفعة وخطيرة عادة، وغالبا بدون مراعاة الآخرين أو عواقب تلك الأفعال. والأشخاص المصابون بهذا النوع يمكن أن يظهروا بشكل جذاب (شخصية ساحرة) ومليء بالطاقة أو منعزل أو يقوم بالمغازلة أو شخص فعال ومشارك.
2- الاضطراب الحدي المثبط Discouraged BPD:
يُعرف هذا النوع أيضاً باسم اضطراب الشخصية الحدي الهادئ، والأشخاص المصابين بهذا النوع يخافون من الهجر، لذا قد يقومون بعمل أفعال مبالغ فيها لمنع حدوث هذا الهجر، سواء كان هجر فعلي أو مجرد تخيلات لديهم. والمصابون بهذا النوع يميلون إلى عدم الإفصاح عن مشاعرهم، ويميلون إلى لوم أنفسهم عما يحدث وليس الآخرين.
والأشخاص المصابون بهذا النوع يميلون لأن يكونوا مثاليين وناجحين للغاية وأصحاب أداء عالي أو يشعرون بالعزلة أو الغرابة أثناء وجودهم في مجموعات، كما يشعرون بعدم وجود علاقات قوية مع الآخرين ويبحثون دائماً عن موافقة أو رضا الآخرين، وقد يقومون بأفعال أو سلوكيات مؤذية لهم، ويشرعون بالوحدة والفراغ طوال الوقت.
3- الاضطراب الحدي المدمر للذات Self-Destructive BPD:
يميل الأشخاص المصابون بهذا النوع من المعاناة من كره النفس وعادة ما يشعرون بالمرارة، ويظهر عليهم سلوكيات معينة فقد يقومون بتعاطي المخدرات بأنواعها المختلفة، كما قد يقومون بعمل أنشطة مليئة بالمخاطر تحفز ظهور الأدرينالين، كما قد يقومون بسلوكيات بهدف إيذاء النفس مثل إيذاء النفس (الجرح) والحرق والحكة والتهديد بالانتحار.
4- الشخصية الحدية العدوانية أو النزقة Petulant BPD:
الأشخاص المصابون بهذا النوع يمكن أن يكونوا غاضبين في دقيقة ثم يتحول شعورهم للحزن في اللحظة التالية، ويمكن أن ينتقل هؤلاء الأشخاص ما بين المشاعر بشكل غير متوقع، كما قد يشعرون بعدم قيمة أنفسهم أو بعدم الحب، مما قد يؤدي لحدوث مشاكل وتحديات في العلاقات.
والمصابون بهذا النوع عادة ما يجيدون التلاعب بالآخرين، وعادة ما يشعرون بعدم الرضا في علاقاتهم، ونتيجة لهذا قد يقومون بعمل سلوكيات خطيرة أو يقومون باللجوء للمواد الترفيهية (المخدرات والكحوليات). وتظهر عدة سلوكيات في هذا النوع مثل العصبية وعدم الصبر والعند والعدوانية السلبية والتقلبات المزاجية الحادة.
أعراض اضطراب الشخصية الحدية
الأشخاص المصابون باضطراب الشخصية الحدية عادة ما يختبرون تقلبات مزاجية حادة وشعور بعدم الثقة فيما يتعلق بكيفية رؤيتهم لأنفسهم، كما أن مشاعرهم تجاه الآخرين يمكن أن تتغير بسرعة من الرغبة في القرب الشديد للكره الشديد، وهذه التقلبات يترتب عليها علاقات غير مستقرة وآلام نفسية.
كما أن اهتمامات وقيم المصابين بمرض بوردرلاين تتغير بشكل سريع ويقومون بالتصرف بشكل طائش وحافل بالمخاطر، ويمكن أن تظهر بعض الأعراض الأخرى مثل:
- بذل مجهود لتجنب تعرضهم للهجر.
- علاقات غير مستقرة سواء مع العائلة أو الأصدقاء أو الأحباب.
- ضعف وتشوه الثقة بالنفس.
- عمل سلوكيات خطيرة ومندفعة.
- إيذاء النفس.
- وجود أفكار انتحارية.
- تغيرات مزاجية حادة.
- شعور شديد بالفراغ.
- مشاكل في التحكم في الغضب.
- شعور بالعزلة.
وجدير بالذكر أنه ليس من الضروري أن يعاني جميع المصابين باضطراب BPD من كل هذه الأعراض، حيث تختلف حدة الأعراض ومدى حدوثها من شخص لآخر.
أسباب اضطراب الشخصية الحدية
يعتقد خبراء الصحة أن اضطراب الشخصية الحدية يحدث نتيجة مجموعة من العوامل من ضمنها:
- الإساءة في الطفولة أو الصدمات: 70% من الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب تعرضوا لإساءة جنسية أو عاطفية أو جسدية في مرحلة الطفولة، كما أن هناك بعض الصدمات المرتبطة بحدوث هذا الاضطراب مثل انفصال الوالدين، ضعف العلاقة مع الأم، وجود حدود أسرية غير ملائمة، أو تعاطي أحد الوالدين للمخدرات.
- الجينات (علم الوراثة): تُشير الدراسات إلى أن اضطراب الشخصية الحدية يُصيب أقراد العائلة الواحدة، ففي حالة وجود تاريخ عائلي للإصابة بهذا الاضطراب، فعلى الأرجح أنت معرض للإصابة به أيضاً، ولكن ليس أمر مؤكد في جميع الحالات.
- تغيرات في الدماغ: في حالة الأشخاص المصابين بهذا الاضطراب، فإن أجزاء الدماغ التي تقوم بالتحكم بالمشاعر والسلوكيات لا تتواصل فيما بينها بشكل جيد، وضعف التواصل هذا يؤثر في طريقة عمل الدماغ.
تشخيص اضطراب الشخصية الحدية
يقوم طبيب متخصص بتشخيص اضطراب الشخصية الحدية وفقاً لتقييم شامل للأعراض التي يعاني منها الشخص وتجاربه أو تاريخ العائلي الطبي، كما يمكن عمل بعض الفحوصات الأخرى ولكن للمساعدة في استبعاد الأسباب المحتملة الأخرى لحدوث الأعراض الظاهرة.
وعادة ما يتم تشخيص هذا الاضطراب في مرحلة متأخرة من المراهقة وبداية مرحلة البلوغ، وفي بعض الأحيان يمكن تشخيص الأطفال والمراهقين الأقل من 18 عام بهذا الاضطراب في حالة كانت الأعراض ظاهرة ومستمرة لمدة عام على الأقل.
وجدير بالذكر أن هناك بعض الاضطرابات النفسية الأخرى التي تكون مصاحبة لهذا الاضطراب عادة، والتي في كثير من الأحيان تكون سبب بحث الشخص عن مساعدة طبية، مثل:
- الاكتئاب الشديد.
- متلازمة اضطراب ما بعد الصدمة.
- الاضطراب ثنائي القطب.
- اضطرابات التوتر.
- استخدام المخدرات.
- اضطرابات الأكل.
اختبار اضطراب الشخصية الحدية
لا يوجد اختبار واحد معين مبني على أسس علمية يُستخدم لتشخيص هذا الاضطراب أو لإخبار الشخص نوع اضطراب الشخصية الحدي الذي يعاني منه، وكما ذكرنا سابقاً ولتشخيص هذا الاضطراب يقوم الطبيب عادة بالتالي:
- السؤال عن الأعراض والتاريخ الطبي.
- السؤال عن تاريخ العائلة الطبي، بما في ذلك الأمراض النفسية.
- عمل فحص طبي كامل لاستبعاد أي حالات طبية أخرى يمكن أن تكون سبب ظهور الأعراض.
هل اضطراب الشخصية الحدية خطير؟
وجود هذا الاضطراب يمكن أن يزيد من خطر الإصابة ببعض المشاكل الصحية الأخرى، فقد تتضمن مضاعفات اضطراب الشخصية الحدية المحتملة ما يلي:
- الاكتئاب.
- اضطرابات التوتر أو القلق.
- اضطرابات الأكل.
- الاضطراب ثنائي القطب.
- تناول المخدرات.
- اضطراب فرط الحركة والانتباه.
- اضطرابات الشخصية الأخرى.
كما أن الإصابة بأعراض اضطراب BPD يمكن أن يزيد من خطر حدوث التالي:
- مشاكل بالعمل.
- مشاكل بالعلاقات.
- التواجد في علاقات مسيئة، سواء كان الشخص هو المسيء أو الشخص الذي يتعرض للإساءة.
- الإصابة بأمراض منقولة جنسياً.
- إيذاء النفس.
- التعرض للحوادث.
- الدخول في مشاجرات.
ومن مخاطر هذا الاضطراب أيضاً هو التفكير في الانتحار، فخطر حدوث الانتحار لدى المصابين بهذا المرض 40 مرة أكبر مقارنة بباقي الأشخاص، وما بين 8 إلى 10% من المصابين به يقومون بالانتحار بالفعل وينجحون.
اضطراب الشخصية الحدية والزواج
العلاقة العاطفية مع شخص مصاب باضطراب الشخصية الحدية يمكن أن يكون مليء بالتقلبات، فمن المتوقع مواجهة العديد من الاضطرابات في تلك العلاقة، وعلى الرغم من هذا يمكن أن يكون مصابي اضطراب BPD عطوفين وأشخاص حنونين، وبعض الشركاء قد يجدون هذا المستوى من العاطفة مُرضي.
كما أن مصابي الشخصية الحدية يكونون شغوفين للغاية لقضاء أطول وقت ممكن مع الشريك الآخر، وفي نفس الوقت يكونون حساسين للغاية فيما يتعلق باحتمال تعرضهم للهجر من قبل شريكهم، فالكثر منهم يركزون بشكل كبير على أدق التفاصيل التي قد تشير إلى وجود أي احتمال بأن الشريك يمكن أن يهجرهم.
فعند شعوره بإحدى تلك العلامات أو أي تغير في مشاعر الطرف الآخر، سواء كان تغير حقيقي أو مجرد تخيلات، يقوم الشخص الذي يعاني من BPD بالانسحاب على الفور، ويشعر بالغضب وبإيذاء مشاعره، وأحياناً يمكن أن يُصبح مهووس للغاية بالطرف الآخر.
ويمكن أن يواجه بعض الشركاء صعوبة في التعامل مع هذه التقلبات المزاجية، وأحياناً قد تؤدي لحدوث مشاجرات أمام الناس (في العلن) كما أن تصرفات الشخص الذي يعاني من BPD المتهورة يمكن أن تضع الطرف الآخر في خطر أيضاً.
وعلى الرغم من تلك التقلبات، إلا أنه يمكن نجاح العلاقات العاطفية وعلاقات الزواج مع شخص مصاب باضطراب BPD، وخاصة عندما يكون الطرف الآخر مستقر وناضج عاطفياً وعقلياً. والخضوع للعلاج مع مساندة الطرف الآخر يمكن أن يزيد من احتمال نجاح العلاقة.
وعلى الرغم من أن العلاج لن يقوم بشفاء الاضطراب بشكل تام، إلا أن المساندة والبحث عن وسائل للتكيف مع تغيرات الشريك يمكن أن تساعد بشكل كبير، ومن ضمن النصائح التي يمكن تجربتها لإنجاح العلاقة:
- معرفة المزيد من المعلومات عن الاضطراب، فمعرفة ما يمر به الشريك ومعرفة مستوى التغيرات العاطفية التي يتعرض لها يمكن أن يساعد في تغيير طريقة الاستجابة لتلك التغيرات.
- الخضوع للعلاج النفسي من قبل متخصص، حيث يمكن للعلاج النفسي أن يساعد في معالجة المشاعر والأحداث التي تُثير المشاعر والاضطرابات، فيمكن للطبيب المتخصص أن يساعد كل الشريكين في تحسين الاستجابات لما يحدث في العلاقة.
- تقديم الدعم العاطفي، فالشخص المصاب بهذا الاضطراب يمكن أن يشعر بالعزلة بسبب الماضي، لذا يجب الحرص على تقديم كل ما يمكن من تفهم وصبر، حيث يمكن أن يساعد هذا في تغيير رؤيتهم لأنفسهم.
اضطراب الشخصية الحدية والجنس
يُعتبر الاندفاع الجنسي من العلامات والأعراض البارزة لاضطراب الشخصية الحدي، والعديد من المصابين بهذا الاضطراب يعانون من مشاكل فيما يتعلق بالنواحي الجنسية، كما أن نسبة كبيرة من المصابين بهذا الاضطراب قد تعرضوا لعنف جنسي أثناء الطفولة، مما قد يجعل العلاقة الجنسية معقدة.
ووفقاً لمراجعة علمية تم نشرها عام 2011 لمعرفة كيفية اختلاف المصابين باضطراب BPD عن غير المصابين فيما يتعلق بالسلوك الجنسي، تم التوصل إلى أن المصابين به يقومون بإظهار العدوانية من خلال عمل سلوكيات المعينة مثل المبادرة لعمل العلاقة بشكل متكرر أو إقامة علاقات جنسية مع شركاء آخرين.
الفرق بين اضطراب الشخصية الحدية وثنائي القطب
على الرغم من تشابه الاضطراب ثنائي القطب مع اضطراب الشخصية الحدي فيما يتعلق بالتغيرات الواسعة والشديدة في المزاج والسلوكيات، إلا أن هناك فرق يميز الحالتين من بعضهما، ففي اضطراب BPD يتغير المزاج والسلوك بسرعة كبيرة استجابةً للتعرض لتوتر شديد، خاصة عند التفاعل مع الآخرين، بينما في حالة اضطراب ثنائي القطب، تكون الحالة المزاجية أكثر ثباتاً ويحدث تفاعل أقل، كما أن المصابين بهذا الاضطراب لديهم تغيرات كبيرة في الطاقة والنشاط، على عكس مصابي BPD.