الغيبوبة هي غياب كامل عن الوعي وفقدان استجابات الجسم للمحفزات، وهي حالة طارئة تتطلب الاتصال الفوري بالإسعاف، وتختلف درجات الغيبوبة باختلاف شدتها وأسبابها، ولحسن الحظ بعض من الأسباب يمكن علاجها، وسنتعرف في هذا المقال على أهم التفاصيل بشأن هذه الحالة.
ما هي الغيبوبة؟
تعرف حالة الغيبوبة Coma بأنها غياب كامل ومطوّل عن الوعي، وتتعدد أسبابها فقد ترجع إلى صدمات في الرأس أو الجلطات أو أورام الدماغ، وقد تحدث أيضًا نتيجة مضاعفات مرضية مثل مضاعفات السكري أو العدوى.
وتعد إصابة الإنسان بغيبوبة حالة طبية طارئة تتطلب اتخاذ قرار فوري بنقله إلى المستشفى للحفاظ على وظائف دماغه وحياته، ويخضع المريض للعديد من الفحوصات سواء فحوصات تصويرية أو أخذ عينات الدم، وكذلك محاولة أخذ تاريخه المرضى من ذويه لتحديد أسبابها، ومن ثم اتباع الأساليب العلاجية المناسبة.
وتشير المصادر إلى اختلاف مدة الغيبوبة وفقًا لمدى عمقها وأسبابها وحالة المريض الصحية، وقد تصل إلى عدة أسابيع، أما ما يطول عن ذلك، فقد يدخل في حالة تسمى الحالة الإنباتية، ونوضحها لك في الفقرة القادمة.
أنواع الغيبوبة
فيما يلي بعض الأنواع المذكورة في المصادر:
- الاعتلال الدماغي الاستقلابي السام Toxic-metabolic encephalopathy، وهو حالة من اختلال وظيفة الدماغ ومن أعراضها الارتباك والهذيان، ويمكن علاجها لحسن الحظ، وقد ترجع أسبابها إلى العدوى أو فشل في وظيفة عضو معين.
- الحالة الإنباتية الدائمة Persistent vegetative state، وهي حالة من غياب الوعي التام، فيكون المريض غير مدرك تمامًا لما حوله وغير قاعد على الحركات الإرادية، وقد يصل لمرحلة اليقظة لكن بلا أي وظائف في الدماغ، ويوجد معها عمليات حيوية مثل التنفس والدورة الدموية ودورة النوم واليقظة.
- الغيبوبة المحرضة طبيًا Medically induced، وهي عبارة عن غياب تام عن الوعي، ومن أسباب الغيبوبة المؤقتة التي يتم إخضاع المريض لها لحماية المخ من التورم والتلف في وحدات العناية المركزة في المستشفيات عند تعرضه لإصابات أو أمراض خطيرة، حيث يحصل المريض على جرعات محسوبة بدقة من التخدير، وتُراقب عملياته الحيوية.
- نقص الأكسجين الدماغي cerebral hypoxia، ويصاب المريض بغيبوبة بعد بضع دقائق من عدم وصول الأكسجين إلى المخ، وتتلف الخلايا الدماغية وتموت واحدة تلو الأخرى، وهي حالة خطيرة يجب علاجها فورًا.
أعراض الغيبوبة
من العلامات الممكن ملاحظتها على من تعرض لغيبوبة:
- العيون المغلقة.
- عدم استجابة بؤبؤ العين لمصدر الضوء.
- عدم استجابة حركة الأطراف إلا في حالات الحركات الانعكاسية.
- عدم الاستجابة للمحفزات المؤلمة إلا في حالة الحركات الانعكاسية أيضًا.
- تنفس غير منتظم.
وقبل الدخول في غيبوبة، يعاني مريض انخفاض الشديد لمستويات السكر (صدمة السكري)، أو يعاني مريض الارتفاع الشديد في غاز ثاني أكسيد الكربون في الدم من الصداع والهياج والكلام غير الواضح، وتنخفض قدرته على التركيز تدريجيًا حتى يفقد وعيه، أما الغيبوبة الناجمة عن الإصابات الخطيرة في المخ والنزيف فقد تظهر الأعراض فجأة.
أسباب الغيبوبة
يرجع سبب هذه الحالة إلى إصابات الدماغ، وقد تنجم عن ارتفاع ضغط الدماغ أو النزيف أو انعدام الأكسجين أو تراكم السموم حوله، وقد تكون الإصابة مؤقتة ويمكن علاجها، وقد تكون دائمة، ووفقًا لأحد المصادر، فما يزيد عن نصف الحالات ترجع إلى إصابات الرأس والدورة الدموية في المخ، وفيما يلي بعض الأسباب المحتملة:
- صدمات الدماغ العنيفة الناجمة عن الحوادث أو السكتة الدماغية.
- أورام الدماغ والجذع.
- نقص الأكسجين الذي يصل إلى المخ، وخاصة بعد الإنقاذ من الغرق أو النوبة القلبية.
- الغيبوبة الناتجة عن السكري غير المسيطر عليه.
- الجرعات الزائدة من الكحول أو الأدوية.
- التسمم بأول أكسيد الكربون.
- تراكم السموم في الجسم مثل الأمونيا واليوريا وثاني أكسيد الكربون.
- تسمم المعادن الثقيلة مثل الرصاص.
- العدوى مثل التهاب السحايا أو التهاب الدماغ.
- التشنجات المتكررة.
- اختلال الإليكتروليت.
درجات الغيبوبة
يوضح أحد المصادر وجود مستويات مختلفة من الوعي والإدراك، وتتراوح ما بين فقدان الوعي العميق وغير المستجيب لما يدور حوله، إلى النوع السطحي، وبإمكان المريض فتح العين أثناء الغيبوبة، وفيما يلي هذه الدرجات:
- الحالة الإنباتية المستمرة: وهي الغياب التام عن الوعي كما أوضحنا في فقرة سابقة.
- حالة الحد الأدنى من الوعي Minimally conscious state: وهي تحدث عندما ينتقل المريض من الحالة الإنباتية، ويكون لديه علامات محدودة من الوعي ويمكنه الاستجابة للمحفزات، أو الطلبات البسيطة (مثل أن يطلب الطبيب منه إمساك يده)، لكن يصعب البقاء على هذه الحالة مدة طويلة.
- موت خلايا المخ: وهي حالة مختلفة من الغيبوبة، ولا يمكن علاجها أو العودة فيها، ووفقًا للمصدر، يتم تعريف موت خلايا الدماغ بمعايير معينة مثل انعدام الاستجابات وكذلك العديد من الوظائف الدماغ الأخرى، ويتم فحص الوظائف ومتابعها باستمرار.
كم تطول مدة الغيبوبة؟
لا يمكن الجزم بطول مدة الغيبوبة، إذ تختلف اختلافًا كبيرًا وفقًا لكثير من العوامل ويتصدرها السبب الكامن، ويشير أحد المصادر إلى أن هذه الحالة قد تكون قصيرة جدًا وتستمر بضعة دقائق، أو طويلة وتستمر لمدد طويلة تصل إلى أسابيع، وقد تطول عن ذلك في حال دخل المريض في الحالة الإنباتية التي قد تصل إلى شهور وقد تزيد عن ذلك، وقد ينتقل المريض بين درجات الغيبوبة المذكورة في فقرة سابقة.
هل مريض الغيبوبة يسمع؟
توضح المصادر أن هذا الأمر قد يكون واردًا في بعض الحالات، إذ يعتمد على نوع وعمق غيبوبة المريض، وتوجد أدلة على أن مرضى هذه الحالة يمكنهم سماع ما يدور حولهم مثل خطوات شخص يقترب أو من يتحدث بجانبهم، ووفقًا للمصدر، بعض الأشخاص قد يتذكرون ما سمعوه بالقرب منهم بعد إفاقتهم، لكن يختلف هذا الأمر كليًّا، فلا توجد حالة مماثلة للأخرى تقريبًا، ويصعب التنبؤ بكيفية وتوقيت ما سمعه المريض نظرًا لوجود الكثير من العوامل المحددة لهذا الأمر.
المضاعفات المحتملة
على الرغم من اعتبار إصابة المريض بغيبوبة من مضاعفات العديد من الحالات الصحية والأمراض في حد ذاتها، يترتب عليها مضاعفات أخرى أكثر خطورة مثل:
- الوفاة، فتعد الوفاة مع الأسف من المخاطر المحتملة، خاصة مع الإصابات البالغة أو الأمراض شديدة الخطورة، أو مع عدم حصول المريض على الرعاية الطبية اللازمة في أسرع وقت ممكن، ومع ذلك ربما ينجو المريض.
- قرح الفراش.
- عدوى مجرى البول.
- جلطات في الساقين.
كيفية تشخيص الغيبوبة
يبدأ الفريق الطبي مباشرة بسؤال أهل المريض عما يلي:
- التفاصيل الكاملة عمّا كان يعانيه المريض قبل فقدانه الوعي، وما حدث بالضبط مثل شعوره بالصداع الشديد أو القيء.
- الأعراض الأخرى الملحوظة قبل فقدان الوعي.
- التاريخ المرضي، مثل الجلطات وأمراض القلب والسكري غير المسيطر عليه.
- الأدوية التي كان يتناولها المريض متضمنة الأدوية الموصوفة بروشتة أو بدون، وما إذا كان يتناول أدوية ممنوعة.
الفحص البدني
يخضع المريض للفحص البدني لفحص حركته ومدى استجابته للمحفزات عن طريق مقياس غلاسكو للغيبوبة، وكذلك ملاحظة تنفسه وضربات قلبه وعملياته الحيوية الأخرى، والبحث عن علامات في جلده كالكدمات التي تشير إلى تعرضه لصدمات، وكذلك مراقبة حركة العينين عن طريق سكب ماء دافئ أو بارد في قناة الأذن.
مقياس غلاسكو للغيبوبة Glasgow Coma Scale
يستخدم الأطباء هذا المقياس لتقييم مدى شدة ضعف الوعي عند الأشخاص المصابين بكافة الحالات الطبية الحادة والصدمات، ويعطي هذا المقياس نتيجة وفقًا لمدى الاستجابة الجسدية والشفهية وسهولة حركة العين في الغيبوبة، وفيما يلي نبذة عنه:
العينين
يتراوح درجات مقياس العينين بين 1 و 4 كما يلي:
1: لا يستطيع الشخص فتح العينين.
2: يسبب الألم فتح العينين.
3: تنفتح العينين استجابة لصوت ما.
4: يفتح الشخص عنينه عفويًا.
الاستجابة الشفهية
وتتراوح درجاتها ما بين 1 إلى 5 كما يلي:
1: لا يصدر المريض أي صوت.
2: يتمتم المريض بكلام غير مفهوم.
3: ينطق المريض كلمات غير مناسبة وغير لائقة.
4: يتكلم المريض بارتباك.
5: يتواصل المريض طبيعيًا.
ردود الفعل الحركية (الجسدية)
يهدف هذا الجزء من المقياس إلى معرفة هل مريض الغيبوبة يشعر بالألم أم لا، إذ يتراوح درجاته ما بين 1 إلى 6، بحيث أول 5 درجات تقيس استجابة الألم، بينما الدرجة السادسة تقيس مدى استجابة المريض لما يُطلب منه، وإليك توضيح:
1: لا يتحرك المريض تمامًا.
2: يفرد المريض ساقه استجابه للألم.
3: رد فعل غير طبيعي بالنسبة للألم.
4: يتحرك المريض بعيدًا عن مصدر الألم.
5- يمكن للمريض تحديد موضع الألم.
6- يستجيب المريض لما يُطلب منه.
وفي حال كان المجموع الكلّي 8 فيما أقل، فهذا يشير إلى الغيبوبة، وفي حال كان ما بين 9 و 12 فهذا يشير إلى أن حالته متوسطة، أما 13 فيما أعلى فهذا يفيد بأن المريض في وعيه ويمكنه الاستجابة لما حوله.
فحوصات المختبر
يُسحب من المريض عينة دم لفحص ما يلي:
- صورة الدم الكاملة.
- مستويات الإليكتروليت.
- مستويات الجلوكوز.
- وظائف الغدد مثل الغدة الدرقية.
- وظائف الأعضاء مثل الكبد والكلى.
- مستويات السموم في الجسم مثل أحادي أكسيد الكربون وثاني أكسيد الكربون.
- جرعات الأدوية الزائدة.
وقد يخضع المريض أيضًا للبزل القطني للبحث عن علامات العدوى في الجهاز العصبي المركزي.
فحوصات الدماغ
يخضع المريض لاختبارات تصوير الدماغ لتقييم وظائفه، وتحديد موضع الإصابة مثل:
- الأشعة المقطعية.
- الرنين المغناطيسي.
- مخطط كهربية الدماغ.
علاج الغيبوبة
يعتمد العلاج كليًا على السبب الكامن نظرًا لوجود الكثير من الأسباب المحتملة، ومدة الغيبوبة، ومدى عمقها، وبناء على ذلك يختلف العلاج بين كل مريض وآخر، وما قد يعالج مريضًا ربما لا يعالج مريضًا آخر.
وإذا تم علاج المريض وأفاق من الغيبوبة، فمن الممكن أن يعود جسمه إلى نفس مستوى أداء وظائفه الحيوية كما سبق، لكن في بعض الأحيان، قد تتأثر خلايا المخ للأبد وقد تسبب له مشكلات مثل الشلل أو عدم رجوع الوعي إليه مجددًا.
كيف يصحو المريض من الغيبوبة؟
عادة ما تبدأ مراحل الاستيقاظ من الغيبوبة تدريجيًا، وبصفة عامة يكون مضطربًا ومرتبكًا ومشوشًا للغاية في البداية، وقد يُشفى بعض المرضى شفاءًا تامًا، وبعضهم يعاني من تلف في المخ، ويحتاج هؤلاء المرضى إلى العلاج الطبيعي والعلاج الوظيفي والتقييم النفسي والدعم الكامل في مرحلة إعادة التأهيل، وربما أيضًا قد يحتاج إلى الرعاية طوال حياته.