إن فقدان الذاكرة من أكثر الأمراض غموضاً في الطب و أكثرها إثارة لدهشة الناس عامة ؛ لما يلفها من غموض لا ينفصل عن غموض و تعقيد المخ الذي هو مخزن ذكرياتنا، لكن هل فقدان الذاكرة له نوع واحد فقط ؟ و هل فقدان الذاكرة دائم ؟ و ما هي أسبابه ؟ و كيف نحمي أنفسنا من فقدان الذاكرة ؟ كل هذه الأسئلة سوف نجيب عليها في جولتنا التالية مع فقدان الذاكرة، كما سنتعرض لسؤال هام ، ألا و هو هل فقدان الذاكرة يعني أننا ننسى مشاعرنا ؟ ننسى من منحونا السعادة ؟ ومن شعرنا تجاههم بالحب ؟ ولماذا ينسى مريض فقدان الذاكرة أحداث في حياته ولا ينسى الأشياء التي تعلمها؟
فقدان ذاكرة الهوية Dissociative Amnesia
في هذا النوع من فقدان الذاكرة يفقد الشخص فجأة ذاكرته العميقة الخاصة بهويته و المعلومات الأساسية عنه كاسمه وتاريخ حياته .
هذا النوع من فقدان الذاكرة عادة ما يصاحب الحوادث و الصدمات ذات الوقع النفسي القوي مثل : رؤية حادثة فقدان شخص مقرب ، التعرض لاعتداء بدني أو نفسي عنيف ، التعرض لحادث مفاجئ و قوي ، الشعور القوي بالذنب نتيجة فعل إجرامي ما ، الوقوع ضحية نزاعات مسلحة.
تصوير المخ بـ الرنين المغناطيسي في مثل هذه الحالات لا يكشف أي خلل في بنية المخ ؛ حيث يكون السبب وراء هذا النوع من فقدان الذاكرة نفسي و ليس عضوي .
لذا تكون الاحتمالات عالية لعودة الذاكرة لكثير من المرضى بمجرد خروجهم من الظروف النفسية القاسية التي حفزت حدوث فقدان الذاكرة، فقد يجد المريض نفسه بين ليلة و ضحاها يتذكر أغلبية المعلومات التي نسيها، لكن تبقى هناك نسبة من المرضى تتحسن ببطء ، و نسبة أقل من المرضى بهذا النوع من فقدان الذاكرة لا يستعيدون ذاكرتهم ابداً .
فقدان الذاكرة الكلي العابر Transient Global Amnesia
هذا النوع من فقدان الذاكرة يتسم بأن المريض ينسى فجأة جميع أحداث حياته السابقة ، و يجد صعوبة في تكوين ذكريات جديدة لاحقاً، و يرتبط هذا النوع من فقدان الذاكرة ببعض الحالات مثل : الصداع النصفي المتقدم كنوع من المضاعفات، خلل الدورة الدموية للمخ مع الجلطات ، تناول الكحوليات و بعض المواد الكيميائية المؤثرة على المخ .
و يتسم هذا النوع من فقدان الذاكرة بكونه عابراً و يبقى فقط لفترة قصيرة عادة لا تتجاوز 24 ساعة ، بعدها يبدأ الشخص تدريجياً في استعادة ذاكرته .
فقدان الذاكرة المستقبلية Anterograde Amnesia
هذا النوع من فقدان الذاكرة هو الأكثر شيوعاً بمصاحبة حوادث و إصابات المخ ؛ حيث يستيقظ المريض بعد تعافيه و هو متذكر أغلبية الأشياء عن ماضيه و كافة تفاصيل حياته ، لكنه لا يستطيع تكوين ذكريات جديدة .
فقدان الذاكرة لا يعني فقدان العواطف
هناك قول مأثور يقول : ” قد تنسى ما قاله الناس لك أو فعلوه بك ، لكنك أبداً لن تنسى كيف شعرت تجاههم ”
حاول فريق بحثي من جامعة واشنطن التأكد من نفس المبدأ على المرضى بفقدان الذاكرة ؛ حيث قاموا بتحفيز مشاعر الحزن و السعادة لدى المرضى من خلال مشاهدة أفلام مصممة خصيصاً لذلك ، و من ثم تركوا المرضى فترة كافية لينسوا الحدث بسبب مرضهم .
بعد ذلك أجرى الباحثون تقييم للحالة العاطفية للمرضى بعد أن نسوا الفيلم الذي تعرضوا له ، و قد وجدوا مفاجأة كبيرة مفادها أن المرضى استمرت لديهم مشاعر الحزن و الفرح رغم نسيانهم للسبب وراء هذه المشاعر .
و هنا نتذكر تلك القصة عن الكاتب الكبير الذي كان مصاباً بألزهايمر ، عندما جلس بجوار صديقه و قال له : ” لا أتذكر من أنت ، و لكني أتذكر أني أحبك”، حسناً ربما الأمر ليس مجرد مبالغة درامية كما نتصور .
لماذا يتذكر المريض القراءة و الكتابة و قيادة السيارة ؟
ظل هذا السؤال من أكثر الاسئلة غموضا لباحثي أمراض فقدان الذاكرة ، لكن مع الوقت تطورت نظرية تقسيم الذاكرة إلى نوعين : ذاكرة تقريرية و هي الذاكرة بمفهومها المعتاد لنا التي تحمل معلومات و حقائق عن الإنسان و حياته ، معلومات يمكن أن يقولها الإنسان سردا بالكلام .
أما النوع الثاني فهو الذاكرة المهارية ، و التي تتضمن المهارات التي تعلمها الإنسان بالتدريب الحركي و التكرار على مدار سنوات عمره مثل القراءة و الكتابة وقيادة السيارة .
مع تطور وسائل تصوير الدماغ بالأشعة تطورت هذه النظرية لتفترض أن المسئول الأول عن الذاكرة التقريرية الفص الصدغي و الهيبوكامبس (جزء صغير بمنتصف المخ) ، بينما تعتمد الذاكرة المهارية على مناطق أخرى من الدماغ مثل المخيخ و اللوزة الدماغية ، لذا فإن الإصابات التي تصيب مراكز الذاكرة التقريرية لا تؤثر غالبا على ذاكرة المهارات التي اكتسبها الإنسان طوال حياته .
لكن كعادة أبحاث المخ و الذاكرة دوما ، ما إن يضع علماؤها نظرية تبدو ثابتة تظهر حالة جديدة تشكك في الافتراض السابق ، و هذا ما حدث هنا عندما ظهرت بعد هذه النظرية حالات فقدان ذاكرة شملت نوعي الذاكرة التقريرية و المهارية معا ، فأصبح المريض فاقد لقدرته السابقة على القراءة و الكتابة و الكثير من المهارات الحركية التي كان يتقنها .
كيف نحمي أنفسنا من فقدان الذاكرة ؟
- تعلم مهارات جديدة باستمرار يحفز مخنا على تطوير ذاكرة قوية .
- قضاء وقت كافي مع العائلة و الأصدقاء ايضاً يعزز من الذاكرة و القدرات الإدراكية .
- استخدام قوائم المهام و الملاحظات الذكية أيضاً يساعد ذاكرتنا من خلال تكرار تعرضها لقراءة الأمور المهمة لنا .
- ممارسة الرياضة بانتظام تعزز من الدورة الدموية الواصلة للمخ و بالتالي تحسن الذاكرة ضمن كثير من الوظائف الإدراكية الأخرى .
- تجنب التدخين و الكحوليات له تأثير درامي في الحفاظ على الذاكرة .
- تجنب المواد المخدرة يحمي الانسان من مخاطر شديدة لفقدان الذاكرة .
- الطعام الصحي المتكامل بكافة أنواع الفيتامينات و الأملاح المعدنية يعزز الذاكرة و القدرات الادراكية .
- الحصول على مساعدة طبية مبكرة في حالة ملاحظة مشاكل في القدرة على التذكر يساعد على التدخل المبكر في حالة وجود مشكلة مرضية .
احكي لنا قارئنا العزيز .. هل قابلت مريض مصاب بفقدان الذاكرة في حياتك من قبل ؟ و ماذا كان نوع فقدان الذاكرة لديه ؟
اقرأ أيضا:
- ما هي أنواع الغيبوبة وأسبابها وطرق علاجها؟
- أغرب 20 حالة مرضية في العصر الحديث .. و معلومات هامة عنها
- اختبر نفسك: هل تمتلك ذاكرة قوية؟