حديثنا في هذه المقالة سيكون عن مشكلة صحية غير معتادة ، مشكلة تبدأ غالباً بأم ذاهبة لزيارة الطبيب المتابع لحملها ، و أثناء إجراء السونار المعتاد لمتابعة تطور الجنين ، يبدأ الطبيب في ملاحظة شئ غير معتاد ، و هنا يبدأ الطبيب في الإنتباه جيداً لشاشة الجهاز للتأكد مما يراه ، و بعد انتهاء السونار يخبر الطبيب الأم أن جنينها مصاب بعيب خلقي يُسمى تشوه أو متلازمة داندي ووكر !!
ما هي متلازمة داندي ووكر ؟ و ما سببها ؟
هل تشخيص هذا الطبيب مؤكد 100% ؟ أم أن الأمر يحتاج المزيد من الفحوصات ؟ هذه الأسئلة ربما تكون أول ما يخطر على بالـ الأم فور معرفتها بهذا الخبر الصادم ، و هذه الأسئلة هي ما سنحاول الإجابة عليها في هذا المقال بالإضافة لإلقاء الضوء على تفاصيل أكثر حول متلازمة داندي ووكر .
البداية
قصتنا اليوم لا تبدأ في وقت بعيد ، بل يفصل بيننا و بينها أقل من 100 عام ، بالتحديد في سنة 1914 عندما اكتشف الطبيب داندي و زميله الطبيب بالإكفان حالة غير معتادة من العيوب الخلقية التي تصاب بها الأجنة و تظهر في حديثي الولادة ، و هذه الحالة كانت غريبة و نادرة لدرجة كافية أن تسجل في التاريخ باسم الطبيبين اللذين اكتشفاها ، و هكذا بدأت قصة متلازمة داندي ووكر !
ما هي متلازمة داندي ووكر ؟
متلازمة داندي ووكر هي عيب خلقي يتضمن حدوث خلل في نمو و تطور المخ و مكوناته المختلفة أثناء نمو الجنين ، و يطلق عليه تشوه داندي – ووكر Dandy – Walker Malformation .
هذا الخلل غالباً ما يشمل المكونات التالية
- خلل في نمو المخيخ المسئول عن التنسيق الحركي العضلي في الجسم ، و ذلك بسبب عدم نمو الجزء المركزي منه .
- خلل في تطور الغرف التي تقع داخل المخ و التي تحتوي داخلها السوائل المخية الطبيعية ، حيث يحدث تضخم في البطين الرابع ( أحد الغرف الأربعة الرئيسية ) بالإضافة لحدوث خلل في تكوين الفتحات التي يُفترض بها نقل السوائل المخية من البطين الرابع لباقي مناطق دورة السوائل المخية الطبيعية .
- خلل دورة السوائل المخية الطبيعية يُسبب تراكمها بكميات كبيرة .
في بعض الحالات ترتبط متلازمة داندي ووكر بمشاكل أخرى مثل
- عيوب تكوينية في الأوعية الدموية المغذية للدماغ .
- عيوب خلقية في القلب .
- مشاكل في العيون .
- استسقاء دماغي .
لماذا تحدث متلازمة داندي ووكر ؟
غالباً ما تحدث متلازمة داندي ووكر في حالات فردية دون أن يكون لها خلفية جينية في الأسرة ، لذا فإن تحديد الجينات المرتبطة طفراتها بحدوث المتلازمة شيء موضع بحث و لم يتم التأكد منه بشكل جازم حتى الآن .
كما أن المتلازمة قد ارتبطت في الحالات بخلل في أعداد الكروموسومات دون أن يكون ذلك مرتبط بكروموسوم محدد في كل الحالات .
رغم ذلك فإنه توجد بعض الحالات التي تم ربطها بنمط عائلي للوراثة ؛ حيث وجد أنها تتبع النمط المتنحي بمعني أنه لابد أن يكون الأبوين لديهم نسخة من الطفرة الجينية ، و التي بانتقالها من الأبوين للجنين تُسبب ظهور المرض نتيجة حصول الطفل على الطفرة الجينية المضاعفة ( نسختي الجين في الـ DNA تكونان مصابتين بالطفرة ) ، و هو احتمال منخفض و يتطلب أبوين ذو صلة قرابة وثيقة .
ما هو معدل حدوث متلازمة داندي ووكر ؟
تحدث متلازمة داندي ووكر بمعدل منخفض يصل لحالة واحدة فقط في كل 25000- 30000 مولود .
ما هي العوامل التي تزيد احتمالية الإصابة ؟
- سن الأم المتقدم (أكثر من 40 سنة) يزيد من فرص الاضطرابات الجينية بشكل عام .
- تعرض الأم خلال فترة الحمل و خاصةً الشهور الأولى لعدوى التوكسوبلازما أو الحصبة الألمانية .
- تعرض الأم لبعض المواد الدوائية التي تسبب طفرات جينية .
- تعرض الأم لمرض السكر أثناء الحمل .
ما هي درجات داندي ووكر ؟
أولاً : الدرجة الطفيفة : بديل داندي-ووكر Dandy-Walker variant :
- تشمل درجة أقل نسبياً من ضمور المخيخ .
- لا ترتبط بتشوهات و عيوب خلقية أخرى .
- نسبة التأخر الحركي و العضلي فيها أقل .
- احتمالية حدوث التأخر العقلي فيها تكون أقل .
ثانياً : متلازمة داندي- ووكر Dandy-Walker Syndrome :
- تشمل ضمور المخيخ بأقصى درجاته .
- لا يصاحبها تشوهات أو عيوب خلقية أخرى .
ثالثاً : المتلازمة المصحوبة بعيوب خلقية أخرى :
تشمل متلازمة داندي ووكر بالإضافة للعديد من العيوب الخلقية الأخرى مثل مشاكل القلب والأوعية الدموية و العيون .
غالباً ما تكون العيوب الخلقية المتعددة سبباً في عدم استمرار الجنين و وفاته .
مصطلح تشوه داندي- ووكر Dandy-Walker Malformation
يطلق على العيب الخلقي الذي يوجد في حالات داندي ووكر بأنواعها المختلفة .
هل متلازمة داندي ووكر تزيد احتمالية إصابة الأطفال القادمين للأسرة ؟
نظراً لعدم التعرف على نمط وراثي محدد لانتقال الطفرات المسئولة عن متلازمة داندي ووكر ؛ فإن احتمالية إصابة الطفل التالي بها تكون منخفضة بشكل كبير حيث تتراوح بين 1 – 5 % .
اكتشاف و تشخيص متلازمة داندي- ووكر
خلال فترة الحمل :
قد يتم اكتشاف المتلازمة مصادفةً أثناء إجراء السونار الدوري لمتابعة الحمل و تقييم تطور الجنين ، و في هذه الحالة يتم اللجوء لعمل أشعة مقطعية و رنين مغناطيسي لتأكيد التشخيص .
الرنين المغناطيسي MRI هو الوسيلة الأفضل في تأكيد وجود العيب الخلقي .
التشخيص النهائي يتم من خلال فريق طبي يحتوي على أكثر من طبيب ذو خبرة لتأكيد التشخيص .
بعد الولادة : يتم اكتشاف المتلازم بناء على الأعراض التي تتطور لدى الطفل ، و ذلك من خلال إجراء فحوصات التصوير الطبي المختلفة التي تقوم تصوير الرأس و المخ ، و من أشهرها :
- الأشعة المقطعية .
- الرنين المغناطيسي .
الفحص الجيني : يتم اللجوء إليه في حالة الأبوين اللذين لديهم ابن مصاب ؛ لتجنب حدوث نفس المشكلة في الأطفال التاليين .
هل هناك احتمالية أن يكون تشخيص متلازمة داندي ووكر خاطيء ؟
نعم ، حيث أنه في بعض الأحيان يكون استخدام زاوية خاطئة أثناء إجراء السونار سبباً في إعطاء انطباع خاطيء على شاشة الجهاز بوجود ضمور في المخيخ مما يؤدي لتشخيص الحالة كجنين مصاب بداندي ووكر على سبيل الخطأ .
و التغلب على ذلك يكون من خلال عدم الاعتماد على تشخيص نهائي واحد دون اللجوء لفريق طبي يحتوي على أكثر من طبيب ذو خبرة لتأكيد التشخيص .
أعراض متلازمة داندي ووكر
- الاضطرابات العصبية .
- التشنجات .
- الغثيان و القيء .
- أعراض ارتفاع ضغط الدماغ : تظهر في الأطفال الأكبر في السن و تشمل :
- كبر حجم الدماغ : نتيجة الاستسقاء الدماغي و تراكم السوائل في الدماغ بشكل غير طبيعي .
- تأخر التطور الحركي : يحدث في الأطفال المصابين بالمتلازمة نتيجة خلل تطور المخيخ المسئول عن التنسيق الحركي .
- الاستسقاء الدماغي : قد يبدأ في الظهور في مراحل مبكرة من تطور الجنين في نطاق الأسبوع الـ18 ، و يتم اكتشافه بواسطة السونار .
- اختلال التوازن و ضعف القدرة على التنسيق الحركي .
- تأخر النمو العقلي : يحدث في نسبة كبيرة من الحالات .
- التأخر لمرحلة البلوغ : في نسبة صغيرة من حالات داندي ووكر تصل لـ10% يتأخر ظهور .
الأعراض حتى مرحلة البلوغ و قد ترتبط في هذه الحالة بأعراض مثل
- الصداع .
- التشنجات العضلية .
- الاضطرابات السلوكية و النفسية .
احتمالات شفاء المريض
العيوب الخلقية بشكل عام و من ضمنها متلازمة داندي ووكر لا تحمل احتمالات للشفاء التام للأسف ؛ نتيجة أن الخلل المرضي يحدث أثناء مراحل تكون الجنين المبكرة من الأساس ، و لكن هناك عوامل تُساعد في تقييم التحسن المتوقع لحالة المصاب بمتلازمة داندي ووكر و تشمل الأسئلة التالية :
- هل الحالة طفيفة و تندرج تحت مسمى بديل لداندي ووكر ؟
- ما درجة ضمور المخيخ ؟
- ما درجة تطور الاستسقاء الدماغي وقت اكتشاف المشكلة ؟
- هل يصاحب المتلازمة عيوب خلقية أخرى ؟
- هل هناك إمكانية للتدخل العلاجي المبكر لتقليل تقدم الحالة ؟
- هل هناك إمكانية للمتابعة العلاجية المستمرة ؟
- هل هناك إمكانية لدمج الطفل من وقت مبكر في برنامج تأهيل حركي و عقلي ؟
- احتمالات الوفاة في المواليد المصابة بمتلازمة داندي ووكر يصل لـ70% ، خاصةً في الحالات المرتبطة بعيوب خلقية أخرى .
- يرتبط ظهور الأعراض في الجنين قبل الولادة باحتمالات أكبر للوفيات ، مقارنة بالجنين الذي يولد دون أعراض ثم يبدأ في إظهار الأعراض مع مرور الوقت .
مكونات الخطة العلاجية في متلازمة داندي ووكر
أولاً : مرحلة التشخيص :
- وفقاً لتقييم الطبيب المعالج لدرجة تقدم الحالة وقت تشخيصها يتم تحديد ما إذا كان لدى الجنين فرص في النجاة أم لا .
- بناء على الحالة الفردية يرشح الطبيب إمكانية إجراء إنهاء للحمل ( إجهاض ) من عدمه .
ثانياً : التعامل الطبي مع الطفل المصاب بمتلازمة داندي ووكر :
- الاستسقاء الدماغي : يتم التعامل معه من خلال عمل وصلة جراحية لتفريغ السوائل المخية المتراكمة .
- التشنجات : يتم التعامل معها من خلال كورس دوائي مناسب لدرجة الحالة .
- التأخر الحركي : يتم التعامل معه من خلال برنامج تأهيل .
ثالثاً : التعامل الطبي مع الأبوين :
الدعم النفسي :
يُمثل أهمية كبيرة في المراحل الأولى من اكتشاف المشكلة نظراً لما يمثله الأمر من عبء نفسي كبير خاصةً أن أغلب الحالات تحدث بشكل غير متوقع و يصعب التنبؤ به و يكون من خلال ( الدعم العائلي – التواصل مع أسر لديها أطفال مصابين بالمتلازمة و التعرف بشكل أكبر على كيفية التعايش مع المشكلة ) .
التثقيف الصحي :
يشمل توضيح طبيعة المشكلة و الناتج المتوقع منها ، بالإضافة لنصائح طبية عن كيفية التعامل مع الحالة و أهمية المتابعة الدورية مع الطبيب .
متى تقلق ؟
- إذا كان هناك حالات سابقة من الاستسقاء الدماغي ضمن التاريخ الصحي للعائلة .
- إذا كان هناك صلة قرابة بين الزوجين .
- إذا كان سن الأم يزيد عن 40 سنة .
- إذا كانت الأم قد تعرضت مؤخراً لعدوى حصبة ألمانية أو توكسوبلازما .
- إذا كانت الأم منتظمة على أدوية لا يمكن الاستغناء عنها في فترة الحمل .
- و في هذه الحالات يتم اللجوء للطبيب لعمل فحص جيني مبكر للجنين للتأكد من عدم وجود أي مؤشرات على إصابة الجنين بمتلازمة داندي ووكر .
هكذا نكون قد أنهينا جولتنا حول متلازمة داندي ووكر . . تلك المتلازمة الغامضة التي ما زالت في طور الدراسة و الأبحاث ، و يبقى السؤال الأخير لكم أعزائي القراء . .
هل سبق أن سمعتم عن متلازمة داندي ووكر ؟ أم أنها كانت المرة الأولى التي تسمعون عنها ؟ وقاكم الله شر الأمراض و متعكم بالصحة و العافية دوماً إن شاء الله ..
اقرأ أيضاً
- اسباب الاجهاض .. و كل ما يدور في رأسك عن أعراضه و مخاطره
- متلازمة تململ الساقين عند المرأة الحامل
- تسمم الحمل .. أعراضه وأسبابه وكيفية الوقاية منه وعلاجه