تبسُّمك في وجه أخيك صدقة هل فكَّرت يومًا في جدية هذه المقولة ؟هل قمت بتطبيقها ؟ ربما تبادرت إلي ذهنك هذه الأسئلة من قبل كما تواردت لنا ولكن سنخوض معًا في هذا المقال في الأصول النفسية للتبسّم و تأثيرها على الفرد و الآخرين …
كيف تؤثر الإبتسامة على صحتك النفسية ؟
أولاً :
تبدأ الإبتسامة في الرُدهات والخبايا الحسية للنفس ، تبدأ عندما تستجمع أذناك همس من تحب أو تقع عيناك على صديق قديم طال انتظاره ، تتواتر وقتها هذه الإشارات العاطفية إلى المخ لتؤثر على المنطقة الصدغية بالتحديد من المخ لترسل إشارات عائدة إلى عضلات الوجه حيث تتأهب العضلات المسئولة عن الإبتسام و التي تسيطر على جانبي الشفاه و الخدين و التي تسيطر على فتحة العين لتقوم بتضييقها في حالة الإبتسام و لا تستغرق تلك العملية سوى ثلاثة أو أربعة أجزاء من الثانية .
يصاحب معظم الأحاسيس كالسعادة و الحزن و الخوف عدة تغيرات فسيولوجية يمر بها الجسم فمثلًا عند الشعور بسعادة عارمة يستجيب الجسم بإنخفاض معدل ضربات القلب بينما يرتبط الخوف بزيادة في معدل الضربات مع الضغط على الأسنان .
ثانيًا :
هل نبتسم لأننا سعداء أم نسعد لأننا مبتسمون ؟
اختلفت النظريات في تفسير هذا الجانب مما دفع العديد من العلماء النفسيين و المحللين للجزم بأنها دائرة مغلقة ذاتية الدفع.
فلتُجرب الابتسام الآن ….
هل تغيرت حالتك النفسية للأفضل ؟ فلنجرب التجهُّم مرة هل أحسست بتغير حالتك للاتجاه المعاكس ؟
و بناءًا على هذه الفرضية قامت دراسة عام 1970 بإثبات أن ذلك يحدث على الأقل على مستوى التغيرات الفسيولوجية مثل زيادة ضربات القلب و درجة حرارة الجسم، فقد قام أحد العلماء بدراسة تأثير عرض صور فوتوغرافية لأشخاص بتعبيرات إيجابية كالابتسام أو سلبية كالتجهُّم و تم تقسيم المجموعة البحثية لمجموعتين طُلِبَ من أحدهم مشاهدة الصور فقط و المجموعة الآخرى تقوم بتقليد ما تشاهد من تعبيرات و بقياس تغيرات المود بين المشاركين قبل و بعد المشاركة في الاختبار مما أوضح تغيرات فسيولوجية واضحة مجاراة للصور المعروضة خاصة للمجموعة التي تفاعلت مع ما يعرض أمامها من صور على عكس المجموعة الآخرى التي لم يطلب منها تقليد التعبيرات لم تتغير علاماتهم الحيوية و الفسيولوجية.
ثالثًا :
في عام 1989 نشر الباحث النفسي روبرت زاجونك واحدة من أهم الدراسات في مجال دراسة تأثير الإبتسامة على المستوى النفسي حيث أحضر مجموعتين من المشاركين و طلب من أحدهم نطق الحرف المتحرك
E
الذي تتحرك معه عضلات الوجه بما يشابه الابتسام و في المقابل طلب من مجموعة أخرى نطق حرف ال
U
والذي يتخذ فيه الوجه وضع التجهٌّم فوجد أن المشاركين قد انتابتهم تغيرات في المزاج بشكل إيجابي مع تقليد الابتسام مع الحرف
E
بينما حدث العكس مع المجموعة الآخرى و قد تم تكرار التجربة بطريقة أخرى مع مجموعات أخرى من المشاركين بتقليد تعبيرات مختلفة و آخرون بتقليد تعبيرات أمام المرآة وقد وضع هؤلاء الباحثون افتراضات بثبوت عامل الثقة بالنفس في الأشخاص المشاركين لنجد أن الأشخاص الأكثر ثقة بأنفسهم هم الأكثر دراية بحقيقة مشاعرهم و الأكثر قدرة على التفاعل مع التعبيرات المختلفة التي يرونها أمامهم.
ولكن يأتي عام 1980 ليحمل لنا العديد من الدراسات عن التأثير الفسيولوجي للابتسام لتعيد للذاكرة دراسات الدكتور روبرت زاجونك في تفسير ميكانيكية الابتسام في التأثير على الحالة النفسية للشخص كالتالي :
تتغير درجة حرارة أي جزء من الجسم فتتغير معها الموصلات الكيميائية المتصلة بها و بنفس الطريقة عند تنشيط عضلات الوجه يتم تباعًا تنشيط تلك الموصلات الكيميائية تبعًا لتغير درجة حرارتها فقد أشار دكتور زاجونك إلى دور الشريان السباتي الداخلي و الذي يعمل على توصيل أغلبية الدماء التي يحتاجها المخ و الذي يمر عبر فتحة تسمى الجيب الكهفي cavernous sinus
و التي تحتوي على العديد من الأوردة الوجهية و التي تتأثر بحركة عضلات الوجه عند الابتسام و خلافه مما يشكل ضغطًا عليها و شد وانقباض مما يقلل من كمية الدم المتوجهة إلى ذلك الجيب الكهفي و بالتبعية كمية الدم المتوجهة إلى المخ مما يخفض درجة حرارته تباعًا.
وعند وصول هذه الدماء الباردة إلى المخ يخفض ذلك من درجة حرارته أيضًا مما يسبب في إحساس بالسعادة و العكس في حالات الحزن.
رابعًا :
ولكن ماذا عن تأثير الابتسام على الاخرين ؟
أثبتت دراسة أجريت في السويد تأثر الأشخاص بما يرونه من تعبيرات وذلك بمراقبة عضلات وجههم بأجهزة تقيس النشاط الكهربائي للعضلات ، عند التعرض للتعبيرات السعيدة فيتفاعل المشاركون تلقائيًا و لا إراديًا بنفس التعبير في الفرح و الحزن سواء و تثبت هذه الدراسات أنه إذا قمت بالابتسام لشخص ما فإنه سوف يبتسم لك في المقابل كما ولو انه هو من بدأ بالإبتسام مما يحدث تغيرات فسيولوجية تستخدم كعلاج في كثير من الحالات.
وقد لخص الدكتور مارك ستيبيخ فوائد الابتسام في النقاط التالية :
- يدعم الجهاز المناعي
- يزيد من التأثير الإيجابي للشخص
- يقلل التوتر
- يخفض ضغط الدم
- يحسن صورتك لدى الآخرين
و استنادًا لدراسة الابتسامات من النوع دوشن Duchenne و التي أجريت في جامعة كاليفورنيا _ تعرف تلك الابتسامة بالنوع الذي تستخدم في كل عضلات وجهك و عينيك و هي تعبر عن الابتسامة الحقيقة النابعة من القلب عن تأثير الابتسام على المدى البعيد في الرضا عن الذات بتحليل الكتاب السنوي لتخرج 111 سيدة مبتسمة في الصور في عمر ال 21 عاما و التي أثبتت أن النساء اللواتي عبرن عن أنفسهن بابتسامات من تلك النوع يتمتعون بحالة صحية و نفسية و عائلية جيدة مقارنة باقرانهن .
خامسًا :
ولكن على الرغم من توافق كل تلك الدراسات مع افتراضات دكتور روبرت إلا أنها لاقت اعتراضًا عالميًا على مستوى الأطباء فقد اعترض الدكتور هنري شوتا رئيس قسم المخ و الأعصاب بجامعة ويسكونيزم نافيًا ورود تلك المعلومات في أي من كتب الطب و التشريح و نافيًا سيطرة ال cavernous sinus على تنظيم درجة الحرارة بهذه الدقة.
سادسًا :
بينما يأتي العام 1997 حاملًا تأكيدات بخصوص الأشخاص ذوي الابتسامة الواسعة في خضم المواقف العصيبة و سرعة تعافيهم من التوتر بشكل أسرع من الاخرين.و قد وجد الباحثون أن الأطفال بمجرد الوصول لسن العشرة أشهر بامكانهم اظهار ابتسامة بسيطة للغرباء بينما يظهرون ابتسامة شديدة و كبيرة عند اقتراب أي من ذويهم.
ولكن وجد الباحثون أن الأشخاص يبتسمون بشكل أكبر عند تواجدهم بين الجموع بينما تخفٌت تلك الابتسامة عند تواجدهم وحدهم على الرغم من ثبات مستوى السعادة في الحالتين.
في حالة ابتسام الشخص لمن هو أمامه فان ذلك يعد بمثابة مكافأة مجزية و سريعة و رد فعل إيجابي سريع يقرأه المخ .
سابعًا :
كيف يؤثر الابتسام على المخ :
في كل مرة عند الابتسام فإن ذلك يرسل بإشارات للمخ للقيام بفعل السعادة و الإحساس به مما يفيد الصحة الجسمانية و النفسية للشخص فيما بعد. فالابتسام يقوم بتفعيل ناقلات عصبية التي تعمل على مجابهة التوتر هذه الناقلات العصبية هي جسيمات صغيرة تسمح بتواصل الأعصاب و التي تسهل تناقل الرسالة لكل أنحاء الجسم لتأكيد إحساس السعادة و المساعدة على إفراز مادة الدوبامين و السيرتونين المسئولتان عن السعادة في الجسم مما يقلل من معدل ضربات القلب و يعمل على ارتخاء عضلات الجسم كله و التقليل من حرارته .
و تكمن أهمية تلك المواد في عملها كمسكنات للآلام بشكل طبيعي 100% بدون اللجوء لمواد صناعية و التعرض لأخطارها.
في النهاية تقوم مادة السيرتونين المفرَزة بالعمل كمضادات للاكتئاب و تعتبر تلك المادة الأساسية المستخدمة في الأدوية المضادة للاكتئاب و التوتر .
و ينطبق الأمر ذاته على رؤية شخص مبتسم يقوم جسم المتلقى بإفراز نفس الناقلات العصبية و المواد المسببة لتحسن الحالة النفسية للشخص في صورة إحساس بالمكافأةكما أثبتت الدراسات أن النساء و الرجال الذين اعتادوا الابتسام في وجه الاخرين هم أكثر الأشخاص جاذبية على المستوى الإنساني و على مستوى التواصل بالعين.
ثامنًا :
ولكن إذا فشلت في الضحك فلتتصنعه؟!
ستعجب عزيزي القاريء من ذلك و لكن مجرد التظاهر بالابتسام يمكنه تقليل التوتر و رفع الحالة المزاجية للشخص حتى لو لمدة قصيرة . التصنع يفيد في هذه الحالات ولكن تظل تلك الابستامة الحقيقية التي تتضمن كل عضلات الوجه و العينين هي الاجدر .
تاسعًا :
العينين و الشفاه هما أسلحة حبانا إياها الخالق منذ الولادة و باستخدامهم في المكان و التوقيت الصحيح يمكن إحداث تغيير ملحوظ في الصحة و السعادة على المستوى الشخصي و على مستوى المٌتَلَقِّي. لذلك ننصحك عزيزي القاريء بأن تصبح مركزًا للتغيير فيمن حولك فلتُنشط عضلات وجهك و تُضيق عينيك قليلًا و لتسمح لأسنانك بالظهور.