أبحاث تكشف عن اكتساب خلايا لخصائص تحييد العوامل المسببة للأمراض
وجد الباحثون في جامعة تورونتو تفسيرا لكيفية تحفيز المسار المعوي لأحد المكونات الرئيسية للجهاز المناعي، من أجل عمله على وقاية الجسم من العدوى، الأمر الذي يقدم تفسيرا محتملا لأسباب حدوث اضطرابات المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي (Rheumatoid arthritis) والتصلب المتعدد (Multiple sclerosis).
وقالت جنيفر غوميرمان، وهي أستاذة مساعدة في قسم علم المناعة في جامعة تورونتو، في الدراسة التي نشرت نتائجها على الإصدار الإلكتروني لمجلة «نيتشر» العلمية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إن النتائج «تسلط الضوء على التوازن المعقد بين البكتيريا النافعة والضارة في الأمعاء. لقد ظل أحد الألغاز الغامضة التي لم تحل حتى الآن هو كيفية تمييز خلايا معينة بين نوعي البكتيريا، ومهاجمة البكتيريا الضارة في الأمعاء دون الإضرار بالبكتيريا المفيدة وغيرها من الخلايا الضرورية، وهذا هو اللغز الذي تحاول الأبحاث التي نجريها حله».
* خلايا مناعية
* وقد وجد الباحثون أن بعض الخلايا البائية (B cells) – وهي نوع من خلايا الدم البيضاء التي تنتج الأجسام المضادة – تكتسب وظائف تسمح لها بتحييد العوامل الممرضة، خلال فترة وجودها في الأمعاء. وتعد هذه المجموعة الفرعية من الخلايا البائية شديدة الأهمية في الحفاظ على صحة الإنسان.
«عندما تخلصنا من تلك الوظيفة للخلايا البائية لم تتمكن الخلية المضيفة من التخلص من أحد العوامل الممرضة في الأمعاء، فضلا عن أنه كانت هناك نتائج سلبية أخرى، لذلك يبدو أنه من المهم جدا أن تقوم هذه الخلايا بوظيفتها في الأمعاء»، هذا ما قالته غوميرمان، التي أجرى مختبرها التجربة على الفئران.
وتشير دراسات علم المناعة – المستندة بشكل أساسي إلى الأبحاث التي أجريت على الطحال أو الغدد الليمفاوية أو غيرها من الأماكن المعقمة البعيدة عن ميكروبات الأمعاء – إلى أن الخلايا البائية تقوم بتطوير وظيفة مناعية محددة وتحافظ على هويتها تلك بشكل صارم، ولكن بعض المختبرات أظهرت، على مدى السنوات القليلة الماضية، أن بيئة الأمعاء الغنية بالميكروبات يمكن أن تحدث نوعا من المرونة في هوية الخلايا المناعية.
وقد وجدت غوميرمان وزملاؤها، الذين كان من ضمنهم متدربون من مختبرها، أنه عندما تتحول الخلايا البائية إلى خلايا بلازما في الأمعاء فإنها تكتسب خصائص الخلايا المناعية الفطرية، على الرغم من ارتباطها التقليدي بالجهاز المناعي المكتسب، وعلى وجه التحديد فإنها تبدأ في التصرف والظهور بمظهر الخلايا الالتهابية المسماة بالـ«الخلايا أحادية النواة» (Monocytes)، مع الاحتفاظ بقدرتها على إنتاج أجسام مضادة مهمة تسمى «الغلوبولين المناعي إيه».
«كان ما أدهشنا هو أن هذه الفكرة – أن الخلايا البائية تعمل عمل الخلايا أحادية النواة – قد شوهدت من قبل في الأسماك وفي المختبر. لكن لدينا الآن مثال حي في نظام حي من اللبائن (الثدييات)، حيث تم إدراك هذا النوع من القدرة الأحادية».
* تعددية وظيفية
* وتوفر مرونة الخلايا البائية تفسيرا ممكنا لكيفية استجابة الخلايا المختصة بالتحكم في العوامل الممرضة لحمل كبير من البكتيريا الضارة من دون الإضرار بالبكتيريا النافعة والخلايا الأخرى الأساسية كي تؤدي الأمعاء وظيفتها على النحو الملائم.
وقد يفسر ذلك أيضا سبب عجز العلماء عن تقدير التعددية الوظيفية لبعض الخلايا البائية. «ثمة علامات تقليدية يستخدمها إخصائيو المناعة للتعرف على الخلايا البائية – مستقبلات تظهر على سطحها – ومعظمها لا يظهر بخلايا البلازما»، هذا ما قالته غوميرمان. وأضافت: «من ثم ففي بعض الحالات ما يظنه الناس خلية أحادية النواة ربما يثبت كونه خلية بلازما نظرا لأنها قد غيرت هوية سطحها، على الرغم من أن الخلايا أحادية النواة تلعب دورا هاما في المناعة الفطرية بالمثل».
وقد توصل الباحثون أيضا إلى أن هذه القدرة التحويلية تعتمد أيضا على نوع من البكتيريا يعرف باسم «الميكروفلورا الطفيلية»، التي تهضم الطعام وتمد الجسم بالمغذيات. وتبرز تلك العلاقة مدى أهمية الأمعاء في محاربة العدوى، وتطرح تساؤلا حول ما إذا كانت خلايا البلازما التي تدربت في الأمعاء على إفراز جزيئات خاصة مضادة للميكروبات يمكن أن تلعب دورا في سيناريوهات الإصابة بأمراض أخرى معدية، مثل عدوى الليستريا التي يسببها تناول الأطعمة الملوثة ببكتيريا الليستريا.
كما تفتح أيضا خطا من الأبحاث حول ما إذا كانت ثمة علاقة نظامية قائمة بين تلك الجزيئات المضادة للميكروبات والخلايا السليمة في الأماكن البعيدة عن الأمعاء. ويمكن أن يساعد فهم طبيعة تلك العلاقة في تحسين فهم الآليات الالتهابية في اضطرابات مناعية ذاتية مثل الذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي والتصلب المتعدد، والتي تهاجم فيها الخلايا المناعية الأنسجة السليمة وتدمرها في النهاية.
غير أن الخطوة التالية، مثلما أشارت غوميرمان، هي البحث في العينات البشرية عن النوع نفسه من الإمكانات المتعددة التي شهدوها في خلايا البلازما التي اكتسبت سمات مضادة للميكروبات في الأمعاء.
«نحن بالفعل في المراحل المبكرة لفهم ما نطلق عليه (الميكروبيوم – Microbiome) في الأمعاء»، هذا ما قالته غوميرمان. وأضافت: «تلعب خلايا البلازما دورا في الكثير من أمراض المناعة، ويمكن للخلايا البائية القيام بأدوار عدة تتعدى مجرد إنتاج الأجسام المضادة. نحن بحاجة إلى فهم النطاق الكامل لتأثيراتها في إطار الاستجابة المناعية».