يختلف استعدادنا لشهر رمضان حسب اهتمامات كل منا وأهدافه التي يتمنى تحقيقها في الشهر الكريم، فالبعض يرتب الآن لخطة شراء المكسرات، والأكلات الرمضانية، والبعض يرتب لبعض الأنشطة الخيرية، والتطوعية، والبعض يرتب للالتزام في صلاة التراويح، لكن بعض الناس لهم ترتيب مختلفة ومنهم مرضى الكلى ، فهم أناس اختصهم الله باختبار المرض، ورغم ذلك تجد في أغلبيتهم قبول بقضاء الله، وقدره ورغبة صادقة في الصيام مع الحفاظ على أفضل حالة صحية ممكنة للاستمتاع بشهر رمضان بشكل صحي.
في هذا المقال سوف نحاول أن نأخذ جولة في العلاقة بين مرضى الكلى وبين رمضان، بما يساعدهم من ناحية المعلومات الطبية والصحية على قضاء شهر سعيد والصوم بأمان إن شاء الله.
تأثير الصيام على مرضى الكلى
رغم وجود العديد من الدراسات العلمية حول تأثيرات الصيام المختلفة على وظائف الكلى، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض التنوع في النتائج، ويرجع ذلك إلى ارتباط تأثير الصيام على الكلى بعدة عوامل أخرى.
ومن أهم العوامل التي تتداخل مع تأثير رمضان على الكلى:
- درجة حرارة الجو في رمضان: مجيء شهر رمضان الكريم في فصل الصيف يرتبط بتعرض للجفاف بشكل أكبر، مما يؤدي إلى آثار أكثر وضوحاً على وظائف الكلى.
- الأمراض المزمنة: الأشخاص المصابين بمشكلات الكلى تكون نسبة كبيرة منهم من مرضى السكر، و هذا يؤدي إلى وجود تأثير مزدوج للصيام على المريض.
- الحالة الصحية العامة: وجود مشكلات صحية عامة، مثل سوء التغذية، أو البدانة، أو تدهور الحالة النفسية يعتبر من العوامل المؤثرة بشدة على صحة الجسم أيضاً.
- استقرار الحالة: استقرار مريض الكلى يتوقف على انتظامه على تناول الدواء بجرعات صحيحة مع حدوث تحسن وثبات في نتائج وظائف الكلى.
أما عن تأثيرات الصيام على وظائف الكلى بشكل عام فتشمل وفقاً للدراسات المتاحة الجوانب التالية:
نسبة اليوريا في الدم
وجدت بعض الدراسات أن نسبة اليوريا في الدم تنخفض مع صيام شهر رمضان، ثم تعود للارتفاع بعد انتهاء الشهر الكريم، ولكن قيمة هذا الانخفاض بسيطة من الناحية الإحصائية ولا تمثل تأثير كبير على وظائف الكلى.
نسبة الكرياتنين في الدم
وجدت الدراسات أن نسبة الكرياتنين في الدم قد انخفضت في خلال فترة الصيام خلال رمضان بنسبة تصل لـ15% و قد ارتبط هذا الانخفاض المثير للاهتمام من الناحية الإحصائية بتناول المرضى موضع الدراسة لفيتامين E كمكمل غذائي؛ حيث لم تكن النتائج بنفس الارتفاع في الشريحة التي لم تحصل على الفيتامين.
كذلك وجدت نفس الدراسة أن نسبة الكرياتين بعد رمضان قد ظلت منخفضة لعدة أسابيع عن النسبة التي كانت قبل رمضان بمقدار 1% تقريباً.
معدل تنقية الكرياتنين عن طريق الكلى
يرتبط الصيام بزيادة معدل تنقية الكرياتنين عن طريق الكلى، خاصة في الأشخاص الأصحاء بنسبة قد تصل لـ15%، بينما في المصابين بأمراض مزمنة مثل السكر، وما يرتبط به من مضاعفات كلوية تكون نسبة التحسن في معدل تنقية الكرياتنين أقل نسبياً وإحصائياً، و لكنه تتراوح بين 8-10% وفقاً للدراسات المتوافرة.
ملاحظة توضيحية: اليوريا و الكرياتنين هما مخلفات كيميائية تنتج عن العمليات الحيوية في الجسم، و من ضمن اختبارات قياس كفاءة وظائف الكلى قياس نسبتهم في الدم؛ حيث إن هذه النسبة كلما كانت منخفضة كلما دل ذلك على أن الكلى تعمل بشكل جيد.
ارتفاع نسبة البوتاسيوم في الدم
وجدت بعض الدراسات أن الصيام يرتبط بارتفاع نسبة البوتاسيوم لدى مرضى الكلى بطريقة تتجاوز النطاق الطبيعي، و يرجح أن هذا يرجع إلى نمط التغذية الخاطئ في رمضان.
كفاءة التنقية في الكلى وسلامة الخلايا الكلوية المتخصصة
وجدت الدراسات أن الصيام لا يؤثر بشكل سلبي خطير على كفاءة الكلى بشكل عام، وأن الأمر يتوقف على عوامل متعددة، مثل التي ذكرت بالأعلى، كما وجد أن أي تأثير سلبي للصيام في هذا الصدد يتحسن في خلال أسابيع قليلة بعد انتهاء رمضان.
نسب الأملاح في الدم
بشكل عام وجد أن نسبة الأملاح المختلفة في الدم لا تتأثر بشكل كبير في مرضى الكلى خلال الصيام كنتيجة للصيام في حد ذاته.
تحذيرات لمرضى الكلى في رمضان
التحذيرات الأساسية لمرضى الكلى في رمضان تتضمن الانتباه لعلامات الخطورة، التي تدل على الحاجة لمراجعة طبية عاجلة لاحتمالية وجود مشكلة طارئة، و تشمل علامات الخطورة هذه:
- انتفاخ وتورم في الجسم أو الوجه.
- صعوبة في التنفس.
- دوخة.
- فقدان الشهية.
- انخفاض الشهية بشكل ملحوظ.
- الإحساس باضطراب درجة الوعي.
على جانب آخر فإنه مثل باقي أيام السنة لا غنى لمرضى الكلى خلال رمضان عن الفحوصات الروتينية التالية:
- قياس الضغط يومياً.
- قياس الوزن.
- تسجيل كميات البول على مدار اليوم واكتشاف أي انخفاض أو زيادة مفاجئة.
- قياس نسب الأملاح بشكل دوري.
- اختبار وظائف الكلى بشكل دوري.
- عمل زيارة متابعة كل أسبوعين على أقصى تقدير.
نصائح وإرشادات لمرضى الفشل الكلوي في رمضان
أولاً: رأي الطبيب قبل اتخاذ القرار النهائي لصيام رمضان
رغم أن نسبة من مرضى الكلى ذوي الحالات المستقرة يمكنهم الصيام، إلا أنه لا غنى عن استشارة الطبيب المتابع للحالة بشكل مباشر عن إمكانية الصيام و مدى أمانه للمريض وذلك بعد اطلاعه على أي مستجدات تخص الحالة.
ثانياً: الاستعداد النفسي
على مريض الكلى أن يكون مستعد نفسياً لقرار عدم إمكانية الصيام؛ حيث إنه رغم كون القرار يسعى في الأساس للحفاظ على سلامة المريض، إلا أن الكثير من المرضى يكون لديهم رغبة قوية للغاية في الصيام، و الدعم النفسي للمريض من قبل أسرته في هذا الصدد يكون مفيداً للغاية أيضاً.
ثالثاً: ضبط نمط الحياة
على مريض الكلى في رمضان أن يضع الكثير من التعديلات التي تضمن سلامته، ومن أهم هذه التعديلات:
- تقليل المجهود خلال نهار رمضان.
- تجنب التعرض لدرجات الحرارة المرتفعة خلال الصيام.
- ترتيب مواعيد جلسات الغسيل الكلوي.
- حفظ المواعيد الجديدة للأدوية.
رابعاً: الأمراض المزمنة
وجود أمراض مزمنة أخرى لدى مريض الكلى مثل السكر أو الضغط أو مشاكل القلب أو غيرها من أمراض يعتبر أمراً شائعاً للغاية؛ لذا ينبغي قبل بدء الصيام التأكد من السيطرة على هذه الأمراض بشكل ملائم من خلال الأدوية، كما ينبغي التأكد من الطبيب المتابع أن أي من هذه الأمراض لن ينتج عنه مضاعفات إضافية خطرة خلال الصيام.
خامساً: خطة العلاج في رمضان
تشمل خطة العلاج في رمضان كلاً من العلاج المنزلي الذي يمكن أن يكون على شكل جرعتين يتم تناولهم في فترة ما بعد الإفطار بفاصل زمني مناسب، و العلاج الخارجي المتمثل في جلسات الغسيل الكلوي.
و ينبغي الانتباه إلى أن بعض الحالات تحتاج أدوية بمعدل أكثر من مرتين في اليوم و لا تسمح حالتهم بتعديل الجرعات لتتناسب مع الصيام، و في هذه الحالة يكون الصيام ممنوع لهؤلاء الأشخاص حرصاً على سلامتهم و استقرار حالتهم الصحية.
سادساً: معرفة متى يجب كسر الصيام
تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من مرضى الكلى تحتاج إلى كسر الصيام إذا وصلت زيادة نسبة الكرياتنين في الدم لقيمة تزيد بأكثر من 30% عن النسبة السابقة قبل رمضان، كما أن الاختلال الشديد في نسب الصوديوم و البوتاسيوم يمثل سبباً آخر لكسر الصيام و الخضوع لخطة علاجية طارئة في كثير من المرضى.
غسيل الكُلى وأثره على الصيام
الدراسات المتوافرة عن التأثير المتبادل بين غسيل الكلى بنوعيه – البريتوني و الدموي – و بين الصيام لا تعطي نتائج مؤكدة، لكن بشكل عام فإن هناك بعض المعلومات التي يهم مرضى الكلى معرفتها بهذا الشأن:
- استشارة الطبيب المتابع للحالة والطبيب المسئول عن عملية الغسيل لا غنى عنه.
- الغسيل البريتوني غير مرتبط بمضاعفات خطيرة لا قدر الله في الصيام.
- الغسيل البريتوني يسمح في كثير من المرضى بالصيام المنتظم.
- الغسيل الكلوي عن طريق الدم يتطلب الإفطار.
- الغسيل الكلوي عن طريق الدم مباشرة قد يتطلب إعطاء أدوية وريدية للتغذية مما يتعارض أيضاً مع الصيام.
تغذية مرضى الكلى
المبادئ الأساسية لتغذية مرضى الكلى المزمنين تتضمن:
- تقليل كميات الملح في الطعام.
- تحديد كمية السوائل باحتياج الجسم فقط وعدم تناول كميات زائدة.
- تقليل الأطعمة الغنية بالصوديوم.
- تقليل الأطعمة الغنية بالبوتاسيوم.
- تقليل محتوى الفسفور في الطعام.
- تحديد وضبط كميات البروتين حسبما تستدعي حالتك وفق الطبيب المعالج، وسوف نناقش بعد قليل تفاصيل هذه المبادئ.
مريض الفشل الكلوي وصوم رمضان
كما أوضحنا بالأعلى فإن إمكانية صوم مريض الفشل الكلوي المزمن من عدمه تعتمد على العديد من العوامل، و تعتبر مراجعة الطبيب لعمل تقييم شامل لكل هذه العوامل هو أكثر الطرق أماناً.
و للتلخيص فإن هذه العوامل تشمل:
- الحالة الصحية العامة.
- الأمراض المزمنة.
- استقرار الوضع الصحي للكلى.
- الحاجة للغسيل الكلوي من عدمه.
- نوع الغسيل الكلوي المتاح.
- برنامج الأدوية المنزلية ومواعيدها.
- برنامج التغذية الصحية.
- تعديلات نمط الحياة.
كيف يستعد مرضى الفشل الكلوي المزمن لصيام شهر رمضان؟
- عمل تحاليل حديثة توضح أخر مستوى لوظائف الكلى.
- مراجعة الطبيب المعالج لتقييم الوضع الحالي للمريض بشكل شامل.
- تجهيز خطة العلاج المنزلي بالمواعيد البديلة خلال رمضان.
- تجهيز برنامج الغسيل الكلوي خلال رمضان.
- تجهيز خطة غذائية، و كل هذا في إطار التفاصيل الواردة في الفقرات السابقة و اللاحقة.
هل مرضى الكلى عليهم الإفطار في رمضان الصيف؟
بشكل عام، فإن مرضى الكلى ليسوا مضطرين للإفطار في جميع الحالات، فالكثير من المرضى ذوو الحالة الصحية العامة الجيدة و المستويات المستقرة من وظائف الكلى يمكنهم الصيام بدون مشكلات بشرط الانتظام الدقيق على خطة العلاج الدوائي و برنامج التغذية الصحية.
يختلف الوضع العام لمرضى الحصوات وفقاً لمجيء شهر رمضان في الشتاء أو الصيف؛ فمشكلتهم الأساسية ليست مع الصيام في حد ذاته، و لكن المشكلة مع التعرض للجفاف الشديد في خلال صيام الصيف.
ويمكن أن يتعامل مرضى حصوات الكلى مع الصيام بأمان من خلال إتباع الإرشادات التالية:
- تجنب التعرض لشمس النهار لفترات طويلة.
- الانتظام على أدوية تفتيت الحصوة.
- تقليل الملح في الطعام.
- تعويض السوائل المفقودة جيداً في فترة ما بعد الإفطار.
مع تجنب بعض الأكلات التي قد تساهم في زيادة تكون الحصوات لاحتوائها على اوكسالات مثل:
- البنجر
- السبانخ
- الفراولة
- المكسرات
- الشوكولاته
- الشاي
- نخالة القمح
- ضبط كميات فيتامين سي في طعامك حسب الحاجة فقط؛ لأن زيادته تؤدي لزيادة نسبة الاوكسالات كناتج عن تفاعلات كيميائية يدخل فيها.
- الحرص على تناول كميات كافية من الكالسيوم لأنه يرتبط بالأوكسالات في الجهاز الهضمي مما يمنع امتصاصها في الدم و بالتالي وصولها للكلى.
- ضبط كميات البروتين حسب الحاجة دون إسراف.
إفطار وسحور مرضى الكلى في رمضان
بعد أن تحدثنا عن مبادئ التغذية السليمة لمرضى الكبد منذ قليل سوف نقوم الآن بإيضاح تفاصيل هذه المبادئ من خلال ذكر قائمة الأغذية التي تساعد على تحقيق كل هدف والأغذية التي تتعارض معه.
أولاً: تحديد كمية السوائل باحتياج الجسم فقط وعدم تناول كميات زائدة:
- مرضى الكلى المزمنة وخاصة المنتظمين على غسيل كلوي قد ينخفض لديهم كميات إخراج البول، لذا فإنهم ليسوا بحاجة لتناول كميات زائدة من السوائل تسبب ضغط جسدي بدون داعي.
- من هنا أتى مبدأ ضبط كميات السوائل اليومية لمرضى الكلى بمعادلة بسيطة تشمل حساب كمية البول اليومية و إضافة ثابت معين لها يختلف وفق تفاصيل الحالة الفردية، و هكذا يكون الناتج هو احتياج المريض من السوائل على مدار اليوم.
- كما أن القياس المنتظم للوزن يساعد على حساب كميات السوائل المكتسبة و المفقودة حيث إن التغيرات المفاجئة في الوزن من يوم لأخر ترتبط بالسوائل في الجسم أكثر من ارتباطها بالدهون.
- وأخيراً ينبغي الانتباه أن كلمة السوائل لا تعني المياه فقط بل كافة أنواع السوائل و العصائر و المشروبات الرمضانية المتنوعة.
ثانياً: تقليل أملاح الصوديوم:
أهم مصادر الصوديوم التي يجب تجنبها:
- ملح الطعام.
- رقائق البطاطس.
- المكسرات.
- اللحوم الباردة.
- الجبن.
- الخضروات المعلبة.
أما عن البدائل الصحية التي يمكن استخدامها لإضافة نكهة للطعام فتشمل:
- الليمون.
- الثوم.
ثالثاً: تقليل نسبة البوتاسيوم:
أهم مصادر البوتاسيوم التي يجب تجنبها:
- زبيب.
- مشمش (قمر الدين).
- الخوخ.
- موز.
- بروكلي.
- شوكولا.
- طماطم.
- عش الغراب.
- خردل.
- بنجر.
البدائل منخفضة البوتاسيوم الصحية تشمل:
- الأرز.
- كمثرى.
- بصل.
- بطيخ.
- الخس.
- جزر.
- تفاح.
- عنب.
- خيار.
- الشعرية.
- توت بري.
- كرز.
رابعاً: خفض محتوى الفسفور في الطعام:
من خلال تجنب الأطعمة الغنية بالفوسفور وتشمل:
- الجوز.
- كبد الدجاج والبقر.
- السردين.
- الاعتماد على بدائل منخفضة في الفسفور مثل البروكلي.
خامساً: ضبط كميات البروتين:
ضبط الكمية الأنسب للبروتين تتطلب استشارة طبيبك المتابع لشكل مباشر حيث إن نسب البروتين في التحاليل تساعد على تحديد مدى احتياجك لزيادة كميات البروتين أو خفضها.
سادساً: التنويع من يوم لآخر:
كما يتضح من القوائم السابقة فغن هناك نطاق واسع من الخيارات الصحية التي يمكن لمريض الكلى أن يصمم منها وجبته اليومية بشكل آمن، لذا لا داعي للاكتفاء بنوع واحد فقط وتكرار بشكل زائد يؤدي لفقدان الشهية.
نصائح لصيام مرضى الكلى بأمان
أخيراً.. نلخص ما ورد في جولتنا في نقاط صغيرة:
- احرص على مراجعة طبيب قبل أن تقرر الصوم.
- إذا كنت تعاني من مشاكل في نسب السكر أو وظائف الكلى فإن انتظامك على دوائك سوف يساعد على استقرار الحالة ويمنحك فرصة أفضل للصوم أن شاء الله.
- احرص على تذكر مواعيد الدواء الجديدة في رمضان لأنها حجر زاوية في الصيام الصحي.
- تجنب الإرهاق الزائد في نهار رمضان.
- التزم بالإرشادات الغذائية التي تضمن لك أفضل وضع صحي عام بإذن الله.