زيادة الأسعار غالباً ما تنعكس على شعور الأفراد بمزيد من الضغط المادي، و عدم استعداد العديد من الفئات الاجتماعية لمثل هذا التغير في الأسعار يضعهم في موقف صعب من الناحية المالية و الاقتصادية و هو ما ينعكس على الحالة النفسية.
في هذا المقال سوف نأخذ جولة سريعة في الأبحاث الطبية الدولية التي ناقشت تأثير التغيرات الإقتصادية المشابهة على الصحة النفسية للأفراد، حتى نتمكن من فهم الخلفية النفسية المترتبة على تلك التغيرات بشكل ملائم.
كيف يؤثر ارتفاع الأسعار على الحالة النفسية
تأثير ارتفاع الأسعار على الحالة النفسية يكون في سياق الطبقات الاجتماعية المتوسطة و الفقيرة و التي ينعكس عليها ارتفاع الأسعار سلباً بسبب زيادة معدلات الفقر لديها و عدم قدرتها على الوفاء بالمتطلبات المادية الأساسية.
و هذا التأثير على الحالة النفسية يتمثل في:
- انخفاض قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات تتضمن مخاطرة خوفاً من العواقب الاقتصادية .
- تركيز الأفراد على الرؤية قصيرة المدى بسبب الضغوط الاقتصادية ، و عدم قدرتهم على وضع خطط طويلة المدى لما ينطوي عليه ذلك من مخاطرة و اضطرار لإنتظار نتائج على المدى الطويل رغم أن هذه النتائج قد تكون مثمرة أكثر من النتائج قصيرة المدى .
- زيادة معدلات القلق و التوتر لدى الأفراد الواقعين تحت التأثير السلبي لارتفاع الأسعار .
- زيادة معدلات الأمراض النفسية التي تحتاج علاج نفسي متخصص في المستشفيات .
- انخفاض قدرة المجموعات الداعمة مثل الأسرة والأصدقاء على مساعدة الأفراد الذين يمرون بأزمات نفسية ؛ مما يزيد من فرصة تطور الأزمة النفسية المؤقتة إلى مرض نفسي طويل المدى.
- فقدان البعض لوظائفهم بسبب تغير الوضع الاقتصادي للمشاريع الصغيرة ينعكس سلباً على صحتهم النفسية بشكل عام.
- زيادة معدلات الإدمان و تناول المخدرات و الكحوليات لدى الأفراد المتأثرين سلباً بالأزمة الاقتصادية .
- زيادة معدلات السلوك العنيف داخل الأسر بسبب الضغوط النفسية العامة .
- انخفاض معدلات السلوك العنيف في بيئة العمل خوفاً من فقدان الوظيفية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب .
- تشير بعض الدراسات إلى زيادة معدلات الإنتحار في فترات الأزمات الاقتصادية ، و تزداد هذه النسبة في الذكور عن الإناث ، إلا أن هذه الزيادة في معدلات الإنتحار تتراوح بين المؤكدة في بعض الدراسات و بين الغير موجودة في دراسات أخرى ؛ لذا فإن المرجح هو وجود العديد من العوامل التي تؤثر على معدلات الانتحار في الأزمات الاقتصادية مثل :المعتقدات الدينية الخاصة لعينة الدراسة، درجة الأزمة الاقتصادية، المستوى التعليمي للأفراد المتأثرين سلباً بالأزمة الاقتصادية، الحالة النفسية العامة للأفراد المتأثرين بالأزمة الاقتصادية .
العلاقة النفسية بين السخط الجماعي و بين ارتفاع الأسعار
في ظل التأثيرات السابق ذكرها لإرتفاع الأسعار و تدهور الحالة الاقتصادية يصبح من السهل التنبؤ أن حالات السخط الشعبي فيما يخص ارتفاع الأسعار هي مجرد تعبير لفظي عن التضرر من ارتفاع الأسعار .
و احتمالية أن يتطور هذا السخط الشعبي إلى ردود فعل جمعية على المدى القصير و المتوسط هي احتمالات ضئيلة ؛ و ذلك لما سبق ذكره من ميل الأفراد في أوقات الأزمات الاقتصادية إلى تجنب السلوكيات ذات المخاطرة العالية خوفاً من مزيد من التدهور في الحالة المالية العائلية و الفردية.
هل ارتفاع الأسعار يهدد الأسرة؟
يؤثر ارتفاع الأسعار و ما يصاحبه من تدهور في الحالة الاقتصادية و المادية للأسر الصغيرة من خلال سلسلة من الأحداث تشمل :
- انخفاض قيمة الدخل الشهري الخاص بالأسرة .
- زيادة معدلات العنف الأسري نتيجة الضغوط النفسية على الأفراد المسئولين عن إعالة الأسرة .
- اضطرار الآباء و الأمهات لقضاء وقت أطول في العمل لتوفير الدخل الكافي يؤدي لحرمان الأبناء من الرعاية الضرورية لسنهم .
- في فترات الأزمات الاقتصادية تنخفض قدرة الأسر على استيعاب أفرادها المصابين بأزمات نفسية مما يؤدي لتدهور سريع لهذه الأزمات بدرجة قد تصل لمرحلة المرض النفسي المزمن .
- عدم قدرة الأسرة على الوفاء بالمتطلبات المادية الأساسية قد يصاحبها حرمان الأطفال من الذهاب للمدرسة .
- الوضع المالي المتدهور يقلل من حصول أفراد الأسرة على الرعاية الصحية اللازمة في حالة وجود مرض ما ، و هو ما ينعكس بعد ذلك على انخفاض القدرة الإنتاجية لأفراد الأسرة بسبب المرض بشكل مباشر ، أو بسبب العناية بمريض من أفراد الأسرة الآخرين بشكل غير مباشر .
كيف يمكننا أن نقلل من الانعكاسات النفسية السلبية لارتفاع الأسعار؟
في إطار الحقائق السابق ذكرها و الخاصة بانعكاسات الوضع الاقتصادي السيئ على الأفراد ، يمكننا وضع بضعة مبادئ تساعد على تقليل ضرر هذه الانعكاسات من خلال :
- عدم الاستسلام لإلحاح الوضع الاقتصادي الطارئ ، و ترك نسبة لا تقل عن 10% من حياة الإنسان للتخطيط طويل المدى .
- عدم تجاهل أهمية الدعم الأسري لأفراد الأسرة الذين يمرون بأزمات نفسية بحجة الإنشغال الشديد ، لأن هذا يؤدي في المدى الطويل لمشاكل تكون تكلفتها أكبر .
- تجنب تفريغ الضغوط النفسية في شكل عنف موجه ضد أفراد الأسرة مثل الزوجة أو الأبناء .
- التحلي بالأمل وعدم الإستسلام للإكتئاب قدر الإمكان ، والتذكر الدائم لكون الاكتئاب هو عامل معطل أكثر منه وسيلة هروب من الواقع في حقيقة الأمر .
- تحت أي ظرف يجب الاستثمار في المستقبل بالحرص على حصول الأطفال على تعليمهم الأساسي ، و عدم ترك المدرسة .
- إعادة ترتيب الأولويات واقتطاع الأولويات المتأخرة التي تستهلك جزء كبير من ميزانية الأسرة مثل السجائر وغيرها من الكماليات الغير مفيدة .
- كتابة قائمة أسبوعية بالمصروفات لمراجعتها في نهاية الأسبوع بما يمكن من تحديد الأشياء التي يمكن الاستغناء عنها لصالح أشياء أخرى أهم .
هكذا نكون قد أنهينا جولتنا في الآثار النفسية المترتبة على ارتفاع الأسعار، و نحن ندرك بشكل كامل أن الوجود في قلب هذه الأزمة يختلف كثيراً عن مجرد الكتابة عنها ، و ندعو الله أن يكون في عون الطبقات الفقيرة و الأشد فقراً على وجه الخصوص في مواجهة هذه التغيرات الاقتصادية القاسية.
اقرأ أيضاً:
- الآثار السلبية للتوقيت الصيفى على صحة الجسم
- 40 طريقة تجعلك تسترخي في أقل من 5 دقائق
- هل تستطيع التغلب على القلق والتوتر ؟