هل شاهدت فيديو طالب هندسة حلوان الذي قام بالانتحار من فوق برج القاهرة الذي يبلغ ارتفاعه 187 متراً؟ هل قمت بمشاركة الفيديو؟ هل تعتقد أنه اختار الاستسلام والـ انتحار بدلاً من المقاومة؟
“نادر” هو شاب في مقتبل العمر، خريج كلية مرموقة، يشهد له العديد بُحسن أخلاقه واجتهاده، يفاجئ الجميع بصعوده لبرج القاهرة وإلقاء نفسه من فوق البرج، لينتهي به الأمر جثة يُصعب التعرف على ملامحها.
وللعلم، نادر ليس أول شاب قام بإنهاء حياته باختياره خلال السنة الحالية، فنسبة ارتفاع معدل الـ انتحار بين الشباب في الوطن العربي أصبحت عالية ومخيفة للغاية.
ففتاة لم تتحمل فقدان والدتها قامت بالانتحار، وشاب يعاني من مشاكل أسرية ولم يعد يستطيع التحمل ألقى بنفسه في المياة، وفتى يعاني من ألم جسدي قرر أنه لن يستطيع الاستمرار في هذه المعاناة .. وتعددت الأسماء.
تجمع الراحلون وقالوا ..
تتفق جميع المصادر العلمية على تعريف الـ انتحار على أنه قيام الشخص بإنهاء حياته، وتختلف الدوافع والأسباب باختلاف الثقافات، ويمكن أن تفشل هذه العملية مسببة إيذاء النفس أو حدوث تشوه أو حتى إعاقة .. ولكن إذا استطعنا التحدث مع من رحلوا فسيقولون:
- رحلت لأن أهلي دائماً يرغبون أن أفعل أشياء تناسب توقعاتهم، مع أنني أردت فقط أن أُصبح رسام وليس طبيباً.
- رحلت لأني اكتشفت أنني لا أستطيع تخطي تجاربي السيئة واختياراتي التي لم أحسبها جيداً.
- رحلت لأني أشعر بالوحدة الدائمة بين أصدقائي، ولا يتقبلون أنني شخص لا أجيد المشاركة.
- رحلت لأنني أحببت أشخاص لم يبادلوني الحب، بداية من أهلي ووصولاً لمعلميني.
- رحلت لأنني أعاني من ألم شديد في جسدي، وقمت بزيارة كل الأطباء في جميع التخصصات، وقمت بعمل جميع الفحوصات، حتى أنني جربت الطرق البدائية، لكن لا ينتهي الألم.
- رحلت لأني أعاني من زيادة في الوزن، لسبب لا أعرفه، غير أنني وجدت نفسي هكذا، لكن لم يقتنع الباقي بهذا التفسير فأصبحت “زيادة” غير لطيفة، يجب التخلص منها، فقررت أن أسرع الأمر.
ويأتي راحل آخر ليُضيف “كنت دائماً أشعر أن شئ ينقصني، لا أدري ما هو؟! مع العلم أنني أبدو للجميع أنني أمتلك كل شئ .. فلماذا قمت بالانتحار؟”
رسالة قد لا تصل ..
أنا الراحل رقم **، كنت قد قررت أن أقول التالي في مجلس العائلة المنعقد في نهاية الأسبوع، ولكن لم أحظى بالفرصة:
“أبي، أمي، عمي وكل العائلة، أعلم أنكم مررتم بظروف عصيبة وشهدتم أمور أنتم وحدكم تعلمون صعوبتها، وتفعلون ما بوسعكم لتوفير الراحة لنا، لكن قد لا نكون بمثل قوتكم، فلا الظروف متشابهة ولا العادات والتقاليد جميعها ما زالت قيد التنفيذ .. لذا اسمعوا ندائي عندما أقول أنني أعاني من الاكتئاب، ما زلت ابنكم وأريد سعادتكم، لكن لا أستطيع مجابهة الظروف وحدي .. أريد المساعدة، هل تسمعوني؟”
والجدير بالذكر أنه حسب الإحصائيات والدراسات المؤخرة في موضوع دوافع الانتحار، تم إثبات أن الشخض المكتئب أو الذي يعاني من ميول انتحارية يقومون بطلب المساعدة بشكل أو بآخر، سواء عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو عن طريق الحديث المباشر مع الأهل أو الأصدقاء، لكن نظراً لقلة معرفة كيفية التصرف وعدم وجود الوعي الكافي للتعامل مع المشاكل النفسية، ينتهي الأمر بتجاهل هذا الكلام، مما يجعل الشخص المنتحر بيشعر بعزلة أكبر، وقد يزيد ذلك من نسبة انتحاره.
هل تعلم أن .. ؟
- يفارق ما يقرب من 800000 شخص الحياة كل سنة بسبب الـ انتحار .
- أن الانتحار هو ثاني أكبر سبب للوفاة بين الأشخاص من عمر الخامسة عشر وعمر التاسعة والعشرين.
- أن 79% من حالات الانتحار تحدث في البلاد التي تعاني من ظروف معيشية صعبة، أو البلاد منخفضة أو متوسطة الدخل.
- أن نسبة الانتحار بين الشباب العربي زادت في السنوات الأخيرة بشكل مخيف، بحيث تُصنف بعض البلاد مثل مصر، من ضمن البلاد الأعلى في معدل الانتحار، وفقاً للتقارير الأخيرة لـ منظمة الصحة العالمية.
- مقابل كل حالة انتحار حدثت بالفعل، يوجد العديد من الأشخاص الذين حاولوا بطريقة ما أن ينتحروا، حيث تُعد محاولات الانتحار، من عوامل الخطر المهمة في هذه القضية.
- تناول المبيدات الحشرية، الشنق واستخدام الأسلحة النارية يعتبروا أشهر الطرق المستخدمة للانتحار حول العالم.
هل أنا حزين أم مكتئب؟
بعد أن أصبحت وسائل التواصل هي الواقع الذي نعيشه، وبعد انتشار ثقافة التريند وهوس الحصول على أعلى رقم من اللايكات والمشاركة، وبعد أن أصبح لفظ “شخص مكتئب” منتشر للغاية، أصبح من الضروري للغاية معرفة الفرق بين الحزن العادي والاكتئاب، وأصبح من الضروري معرفة متى يجب حقاً التدخل ومتى يجب عدم الاستهانة بنداء طلب المساعدة عند رؤيته.
الحزن
هو شعور طبيعي من المشاعر الإنسانية، يحدث نتيجة حدث سلبي أو نتيجة تجربة سيئة، أي يحزن الشخص لسبب محدد، لكن هذا الشعور يتبدد مع مرور الوقت، عندما نمر بتجربة فرح تحل محل الموقف المؤلم أو الحزين. وقد تحدث مشاعر الحزن لفترة وجيزة تصل لساعتين أو حتى يومين ثم تختفي.
ويشعر الجميع بالحزن في مرحلة ما في حياتهم، وقد يحدث أكثر من مرة، وقد ينتهي هذا الشعور بالبكاء أو التحدث مع شخص مقرب عن الأمر.
الاكتئاب
هو اضطراب يُصيب الصحة العقلية، يؤثر على طريقة التفكير والشعور تجاه كل شئ، ويؤثر على جميع نواحي الحياة. وقد لا يوجد سبب معين أو دافع محدد للاكتئاب، وعادة ما ينجح الأشحاص المكتئبين من إخفاء مشاعرهم جيداً، فيظهرون بصورة سعيدة وصحية.
ويؤثر الاكتئاب أيضاً على سرعة الانفعال والتعرض للعصبية، وقد يحدث بسبب أمراض جسدية، ولكن الاكتئاب هو مرض عقلي ونفسي، وليست حالة ذهنية عابرة .. لذلك انتبهوا جيداً للفرق.
توجد بعض المستشفيات الحكومية المصرية تقدم الدعم النفسي بأجر رمزي نذكر منها ما يلي:
- مستشفى الدمرداش – تليفون: 02 24346001
- مستشفى العباسية – تليفون: 01289109829
- مركز الإرشاد النفسي بجامعة عين شمس – تليفون: 01022831623
يوجد العديد من المواد العلمية والطبية التي تُغطي كل الأعراض والأسباب التي قد تدفع الشخص لإنهاء حياته بإرادته، لكن سيبقى هناك حقيقة واحدة فقط، وهي أننا نجيد للغاية كيفية الابتسام عندما نتألم، نعرف كيف نجعل الذي أمامنا يؤمن أن كل شئ على ما يرام، بينما لا يوجد أي شئ في مكانه، ولا يجوز وصف هذا بالنفاق أو ضمه تحت خانة “الظاهر جيد، إذن لا يوجد مشكلة”، فالحقيقة أن أغلب المكتئبين أو المنتحرين هم أشخاص حاولوا التعايش مع ظروف لم يستطيعوا التأقلم معها، وحاولوا بالفعل التحدث أو طلب المساعدة، لكن ما زال الطريق الطويل للاعتراف بالمشاكل النفسية ومدى خطورتها، فلما يجدوا المساعدة فقرروا الاستسلام في الحرب، فإذا قررت مساعدة شخص يعاني من مشاكل نفسية، رفقاً بالقول قبل الفعل، فقد تنجح تجربتك وقد تنتهي بألم لا يمكن تدراكه .. ودمتم أصحاء أعزائنا القراء.