أصبحنا نسمع كثيرا عن زوج يضرب زوجته حتى الموت، أو أب يعذب أطفاله! ظاهرة العنف الأسري أو العنف المنزلي مشكلة خطيرة يجب أن نأخذها جميعا على محمل الجد، وهي مشكلة ليست شائعة في مجتمعاتنا العربية فقط، بل منتشرة في جميع أنحاء العالم، تعرفوا معنا في هذا المقال على أسباب العنف الأسري وآثاره الجسدية والنفسية وحلول لمواجهته والتعامل معه.
ما هو العنف الأسري أو العنف المنزلي؟
العنف الأسري (Domestic Violence – Domestic Abuse) هو نوع من أنواع إساءة معاملة أحد أفراد الأسرة لأفراد آخرين، مثل ضرب أو إهانة أو تهديد واحد من الزوجين للآخر، أو ضرب وإهانة وإساءة معاملة أحد الأبوين لأطفالهم، أو حتى قد يصل لإساءة معاملة وتهديد الأبناء لآباءهم.
أنواع العنف الأسري
العنف الجسدي Physical Violence
ويحدث بالاعتداء الجسدي مما يؤدي لإصابات بدنية مثل قد تكون خطيرة مثل الإصابة بالكسور في العظام، وقد يصل الأمر إلى الوفاة، ويعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
العنف الجنسي Sexual Violence
يصنف هذا النوع كجريمة في حالة تم إجبار الضحية على الخضوع لأي سلوك أو نشاط جنسي غير مرغوب فيه، حتى من جانب شريك الحياة وليس فقط من جانب أي فرد من العائلة.
العنف النفسي أو المعنوي Emotional Violence
ويشمل التهديد اللفظي، والتشهير، والإذلال المعنوي والتنمر، ويمكن أن يشمل أيضا التحكم في سلوك وتصرفات الضحية وإجبارها على فعل أشياء غير مرغوب بها، أو منع الزوجة مثلا من رؤية عائلتها.
العنف الاقتصادي Economic Violence
قد يبدو لك الأمر غريبا، ولكن صفة “البخل” في حد ذاتها تعتبر نوعا من أنواع العنف تجاه الأسرة حينما يقوم أحد الزوجين بعدم الإنفاق على الآخر ومنع حصوله على المال اللازم لحياة آدمية.
الترصد أو الملاحقة Stalking
وهو محاولة الاتصال والتعدي على حرية الضحية بشكل متكرر ومقصود مما يجعل الضحية يشعر بالتهديد والخوف على سلامته، قد يحدث ذلك حتى بأبسط الأشكال مثل إرسال رسائل نصية أو مكالمات هاتفية غير مرغوب بها.
أسباب العنف الأسري
ليس هنام ما يبرر أبدا ارتكاب أي شخص للعنف المنزلي بأنواعه، ولكن هناك بعض الدوافع التي يجب الحذر منها واعتبارها مشكلة يجب حلها وعلاجها قبل أن تتطور لتصبح كارثية لكل أفراد الاسرة، ومنها:
- تعاطي المخدرات أو إدمان الكحوليات، وهو من أكبر الدوافع للعنف المنزلي.
- البطالة والفقر أو انخفاض مستوى المعيشة والمعاناة مع متطلبات الحياة.
- المستوى الثقافي والاجتماعي الذي تربى عليه أحد الزوجين والقائم على تعنيف الزوج لزوجته وإهانتها وضربها أو العكس، كمحاولة لفرض السيطرة.
- الإصابة بمرض عقلي أو نفسي خاصة بين المراهقين مما يجعلهم يتصرفون بعنف، وهو من أكثر العوامل التي يجب الحذر منها لأن هذا المراهق قد يكبر ليصبح أكثر عنفا مع أفراد عائلته حتى بعد الزواج.
- الشعور بالدونية، خاصة إذا كان أحد الزوجين يفوق الآخر في المستوى التعليمي أو الاجتماعي أو المالي.
- الشك في سلوكيات وأخلاق الضحية، حتى وإن كانت غير مبررة وليس لها أساس.
مراحل العنف الأسري
لكي تفهم أكثر كيفية تطور العنف المنزلي، يجب أن تفهم أن له دورة مكونة من 6 مراحل:
- مرحلة تصاعد التوتر بين الزوجين.
- مرحلة الهجوم اللفظي بالشتائم والإهانات.
- مرحلة الانفجار والهجوم البدني.
- مرحلة الندم وإلقاء اللوم على الضحية.
- مرحلة التأسف والوعد بعدم تكرار الأمر.
- مرحلة “شهر العسل” كأن شيئا لم يكن!
معظم حالات العنف تمر بهذه المراحل كلها ومع آخر مرحلة وبمجرد ظهور موقف آخر تتصاعد المراحل من جديد وكأنها حلقة مفرغة ليس لها نهاية.
علامات تدل على العنف الأسري
إذا كنت تعتقد أن أحد المقربين منك يتعرض لأي نوع من العنف، يجب أن تلاحظ ما يلي:
- وجود آثار كدمات أو جروح أو كسور غير مبررة على الجسم.
- هذا الشخص يتجنب التجمعات العائلية ومقابلة الأصدقاء وأي نشاط اجتماعي.
- دائما ما يجد هذا الشخص أعذار ومبررات لتصرفات شريكه غير السوية.
- دائما ما يبدو عليه الخوف وعدم الارتياح في وجود أحد أفراد العائلة بالأخص.
وهناك علامات أخرى تخبرك أيضا أن أحد المقربين منك يقوم بالإساءة أو العنف مع أفراد أسرته، كما يلي:
- هذا الشخص دائم الصراخ أو السخرية من أحد أفراد أسرته.
- دائما ما يتحكم في تصرفات أفراد أسرته ويتخذ عنهم كل القرارات بدون موافقتهم.
- يمنع أفراد أسرته من مقابلة عائلتهم أو أصدقائهم أو المشاركة في أنشطة اجتماعية.
- يقوم بفرض ممارسات وسلوكيات جنسية غير مرغوب بها (قد لا يكون هذا الأمر واضح للآخرين إذا لم يصرح به الضحية).
- يقوم دائما بالتهديد بمحاولة إيذاء نفسه أو شريكه إذا أراد الانفصال أو الطلاق.
آثار العنف الأسري
من الممكن أن يؤثر العنف المنزلي على كل أفراد الأسرة بلا استثناء حتى من لا يتعرضون للإساءة بشكل مباشر، سواء على الرجل أو المرأة أو الأطفال، كما يلي:
الآثار الجسدية للعنف الأسري
- الإصابات الجسدية نتيجة التعرض للضرب مثل الكدمات في جميع أنحاء الجسم أو الوجه، والجروح، وكسور العظام.
- التعب والإجهاد المزمن.
- ضيق التنفس.
- تشنجات العضلات.
- اضطرابات في النوم والأكل.
- عدم القدرة على ممارسة العلاقة الحميمية أو فقدان الرغبة.
- خلل في الخصوبة واضطرابات الدورة الشهرية.
الآثار النفسية للعنف الأسري
الإصابات الجسدية ليست فقط النتيجة الوحيدة للعنف المنزلي، فالإصابات النفسية قد تكون أخطر منها بمراحل، كما يلي:
- الشعور بالحزن معظم الوقت والإصابة بالاكتئاب.
- اضطرابات ما بعد الصدمة، فالضحية دائما ما ترى الكوابيس في منامها، ودائما غارقة في أفكار سيئة.
- المعاناة من توتر وقلق شديد يصعب التحكم فيه.
- انعدام الثقة بالنفس.
- قد يصل الأمر للأفكار الانتحارية مع يأس الضحية من التخلص من معاناتها.
- اللجوء لتعاطي المخدرات والكحوليات.
آثار العنف الأسري على الأطفال
الأطفال الذين يشهدون الإساءة والعنف بين والديهم، يتأثرون بهذا العنف حسب المرحلة العمرية، كما يلي:
- ما قبل دخول المدرسة: قد يبدأ الطفل في القيام بأشياء لم يقم بها منذ أن كان طفلا رضيعا، مثل التبول اللاإرادي، مص الأصابع، والصراخ بدون سبب، وقد يشعر أيضا بالخوف المبالغ فيه من أبسط الأشياء، كما يعاني من اضطرابات في النوم واضطراب الانفصال.
- الأطفال في مرحلة المدرسة: هنا قد يقوم الطفل بلوم نفسه على ما تعاني منه أمه مثلا من إساءة، ويصبح الطفل يعاني من تراجع بالدراسة وفقدان الثقة بالنفس وعدم مشاركته بالأنشطة المدرسية، وقد يصل به الأمر إلى ممارسته العنف في المدرسة أيضا.
- مرحلة المراهقة: هنا تأتي أخطر المراحل، فالمراهق بطبيعته يقوم بأفعال متمردة بطبيعة الحال، فما بالك بالمراهق الذي يتعرض أو يشهر العنف المنزلي، هذه المرة قد يقوم بممارسة العنف ضد أفراد أسرته أيضا، يقوم بالهروب من المدرسة، وقد يصل به الأمر إلى اللجوء لتعاطي المخدرات. هذا الأمر شائع أكثر لدى الأولاد، أم الفتيات فيلجأن أكثر إلى الانسحاب من الحياة والإصابة بالاكتئاب.
آثار العنف الأسري على المجتمع
هل سمعت عن مصطلح “تأثير الدومينو”؟ عندما تقوم برص قطع الدومينو وراء بعضها ثم تقوم بضرب واحدة منهم فتبدا باقي القطع في التساقط واحدة وراء الأخرى، هذا بالضبط ما يحدث في حالة العنف المنزلي، فالطفل الذي يشهد العنف المنزلي، سيقوم بدوره بتطوير سلوك عدواني تجاه أشخاص خارج عائلته، ويكبر ليصبح زوج وأب عنيف في بيته، وبالتالي يربي أبناء لديهم نفس السلوك العدواني، وهكذا… هل يمكنك تخيل مجتمع به هذا الكم من الأطفال المعرضين لخطر تطورهم لأشخاص عنيفين في المستقبل إذا لم يتم إنقاذهم مبكرا؟!
من تأثير العنف المنزلي أيضا ومع هروب الأطفال من منازلهم، انتشار ظاهرة أطفال الشوارع وزيادة معدلات السرقة وإدمان الممنوعات، واستغلال الأطفال والمراهقين في أعمال غير مشروعة وبالتالي زيادة معدلات الجريمة في المجتمع.
علاج العنف الأسري وحلول لمواجهته
هناك شقين في هذا الأمر، إذا كنت ضحية للعنف الأسري، او إذا كنت تعرف ضحية عنف أسري وتريد المساعدة:
أولا: ماذا أفعل إذا تعرضت للعنف المنزلي؟
- يجب أولا الاتصال بالطوارئ أو النجدة لمساعدتك إذا كانت حياتك في خطر أو إذا تعرضت لعنف بدني.
- الاحتفاظ بأي دليل على الإساءة البدنية وتقارير المستشفى، والاستعانة بها عند الحاجة.
- يجب عليك البحث عن المؤسسات التي تمد يد العون لضحايا العنف المنزلي في بلدك، حتى يقوموا بمساعدتك.
- محاولة إيجاد حلول وإقناع شريك الحياة بالسعي للعلاج النفسي، إذا لم يحدث ذلك فلا مفر من الانفصال.
- التحدث مع شخص جدير بالثقة للمساعدة في إيجاد حلول بديلة أو اللجوء له لتقديم يد العون.
ثانيا: ماذا أفعل إذا تعرض أحد أعرفه للعنف المنزلي؟
- إذا كنت تشعر بالقلق على شخص مقرب منك وتعتقد أنه يتعرض للإساءة، يمكنك القيام بالتالي:
- استمع له جيدا ولا تقم أبدا بلومه والحكم عليه مسبقا، فمن يتعرض للعنف من الصعب عليه التحدث عن مشاكله حتى لأقرب المقربين.
- اعطه الوقت والمساحة لا تقم أبدا بالضغط عليه، حتى لا يتراجع عن التحدث.
- اخبره أن لا أحد يستحق الضرب أو الإساءة أو الاعتداء حتى إذا أخطأ.
- شجعه على إخبارك بمشاعره، وادفعه لاتخاذ قراراته بنفسه ولا تفرض أبدا رأيك أو قرارك عليه.
- ساعده على البحث عن مؤسسة لمساعدة ضحايا العنف الأسري.
- كن دائما داعما له ومساندا حتى وإن كان قراره الاستمرار في العلاقة، حتى تكون مقربا منه ويستطيع اللجوء لك وقت الحاجة.
حلول العنف الأسري
هنا يأتي دور الدولة والمؤسسات المجتمعية لإنشاء هيئات متخصصة تقدم العون لضحايا العنف في الأسرة ليس فقط على مستوى المدن الكبرى، ولكن أيضا على مستوى المناطق الصغيرة، فالحل الأمثل ليس إيقاف العنف، بل منع الأشخاص من أن يصبحوا عنيفين من الأساس بدعم الدراسات والأبحاث التي تحاول إيجاد حلول لهذه المشكلة.
دور هذه المؤسسات لا يقتصر فقط على المساعدة ورفع قضايا الحقوق وإيجاد وسائل معيشية، بل أيضا القيام بحملات توعية ضخمة على نطاق واسع في الإعلام وفي الشوارع، والطلب من رجال الأعمال والفنانين بتمويل هذه الحملات ودعمها وتبني هذه القضية بشكل جدي.
كما يجب على هذه المؤسسات بمحاولة توفير أماكن معيشية للمتضررات من النساء غير القادرات ماديا، وإيجاد عمل لهن حتى يصبحن قادرات ماديا على المعيشة وتوفير احتياجاتهن الأساسية بدون الاعتماد على المعونات المالية.
كما يجب على الدولة والحكومات بوضع قوانين صارمة تقدم عقوبات واضحة لكل من يقوم بأي فعل يصنف تحت العنف الأسري، سواء كان عنف جسدي أو جنسي او نفسي، كما يجب أن تتعامل المحكمة مع قضايا العنف بشكل أكثر مرونة مع الضحية وأكثر حسما مع الجاني.
رقم العنف الأسري
إليك هذه الأرقام المجانية المهمة الاتصال للتبليغ عن العنف أو طلب المساعدة للحماية ضد العنف المنزلي في بعض الدول العربية:
- رقم العنف الأسري في السعودية: 8001245005 أو 1919
- رقم العنف المنزلي في مصر: 15115 أو 01205575331 أو 01121997477 أو 01007525600
- رقم العنف المنزلي في لبنان: 1745
- رقم العنف المنزلي في الإمارات: 800623.
- دار الأمان للمتعرضات للعنف الأسري في البحرين.
- رقم العنف المنزلي في العراق: 139-01
واخيرا، كل فرد في المجتمع لديه المسئولية للحد من ظاهرة العنف الأسري والتخلص منها، كما يجب علينا جميعا الوقوف دائما مع ضحايا العنف المنزلي وتقديم يد العون والمشاركة في التوعية ضد هذه الظاهرة.